أمريكا بعد مكارثي: خلافات تعم الحزبين وبايدن “تحت الضغط” وبوتين يكرر “الزمن يحالفني”

Spread the love
image_pdfimage_print

لأول مرة في التاريخ الأمريكي يُنحّى رئيس مجلس النواب الأمريكي. حدثت محاولة واحدة من قبل لتنحية رئيس قائم في العام 1910. في حينه، بادر إليها رئيس البرلمان جوزيف كونين كي يثبت بأنه يتمتع بثقة النواب، ففشلت التنحية بالفعل. في العام 2015 جرت محاولة أخرى لتنحية جون باينر، لم تصل إلى التصويت – لكن الرئيس استقال بعد وقت قصير من ذلك.
لقد كانت تنحية الرئيس كيفن مكارثي غريبة؛ فهي لم تتحقق إلا نتيجة لتصويت 208 ديمقراطيين وثمانية جمهوريين فقط، من مؤيدي ترامب. وهؤلاء هم محافظون متطرفون قرروا تنحية مكارثي لأنه حقق اتفاقاً مع الديمقراطيين لمنع تعطيل الإدارة مما كان سيتم في ضوء فشل مجلس النواب في الوصول إلى توافق على الميزانية التالية. وقضى الاتفاق فترة انتقالية من 45 يوماً تجري في أثنائها محاولة للوصول إلى توافق كهذا. أغلبية حاسمة من النواب الجمهوريين، 208، عارضوا التنحية.
كان المبادر إلى قرار التنحية للرئيس هو مات غاتس من فلوريدا ومؤيد متحمس لترامب، وقد ادعى بأن مكارثي لم يعد يتمتع بثقة نواب الحزب وأنه مذنب بالتعاون مع الديمقراطيين في موضوع الميزانية. كذب وازدواجية؛ فالغالبية الساحقة من النواب الجمهوريين صوتوا ضد التنحية، وغاتس بنفسه تعاون مع الديمقراطيين، إذ ما كان لمكارثي أن ينحّى من دونهم.
الحزبان يخرجان متضررين؛ فقد علق الجمهوريون في صراع داخلي شديد، وليس واضحاً إذا كانوا سينجحون باختيار مرشح جديد للرئاسة يكون متفقاً عليه سواء لدى التيار المركزي أم للمتطرفين الترامبيين الذين يرفضون كل توافق مع الديمقراطيين على مواضيع حيوية مثل الميزانية، ويفضلون اعتبارات حزبية ضيقة على مصلحة الدولة، المجتمع والاقتصاد. ومن المتوقع أن تعزى لهم الفوضى.
أما الديمقراطيون فقد يتضررون، لأنهم قد يحصلون على رئيس بديل يكون أكثر تصلباً معهم، إذ إن درس كل رئيس جمهوري جديد سيكون أنه إذا كان راغباً في المحافظة على كرسيه، فمحظور عليه أن يتعاون مع الديمقراطيين. الكونغرس سيشكل، والبيت الأبيض لن يتمكن من تمرير أي تشريع عام.
القاعدة أن رئيس الإدارة الذي لا يعرف كيف يعمل مع الكونغرس، يعد فاشلاً وليس جديراً لولاية ثانية.
ربما لا يصل الحزبان بعد الـ 45 يوماً إلى توافق على الميزانية، فتتعطل الإدارة لفترة غير معروفة. الاقتصاد سيتدهور، وأضرار الجمهور ستكون كثيرة، والذنب سيقع على بايدن الذين سيكون مطالباً بإثبات تحسين واستقرار الاقتصاد في عهده، وهو شرط حيوي للانتصار في الانتخابات للرئاسة في الولايات المتحدة. إن أضرار تعطل الإدارة في الماضي وصلت إلى مبالغ هائلة بمليارات الدولارات.
وللتنحية جوانب تؤثر على علاقات الولايات المتحدة الخارجية ومكانتها في الساحة الدولية. فالفوضى واحتدام الاستقطاب في المجتمع يضعفان الولايات المتحدة ويمسان بمكانتها.
الترامبيون وغير قليل من ممثلي التيار المركزي يبدأون بالاعتراض على مساعدة أوكرانيا. منذ الاتفاق حتى 45 يوماً، أزيل بند المساعدة لأوكرانيا بمبلغ 6 مليار دولار. كان مكارثي قد أيد المساعدة ووافق على تشريع قانون خاص في هذا الموضوع، أما الآن فالموضوع مفتوح. يمكن لبوتين أن يضحك وهو في طريقه إلى النصر. فقد قال عدة مرات إن الزمن يعمل في صالحه، وإن الرأي العام في الغرب سيتعب، وسيقدم له النصر على طبق من فضة. فإذا ما قصلت أو ألغيت المساعدة لأوكرانيا، فسينشأ شرخ عميق بين أوروبا والولايات المتحدة.
بايدن معني جداً باتفاق أمني مع السعودية يتضمن تطبيعاً مع إسرائيل، لأن اتفاق كهذا يتضمن بنية تحتية نووية، وإن بند دفاع تلقائي عن السعودية ضد العدوان يحتاج إلى إقرار ثلثي مجلس الشيوخ. للديمقراطيين تفوق شيخ واحد فقط، ولكنه غير مضمون، لأن التقدميين في أوساطهم لن يدعموا أي اتفاق مع السعودية، لذا سيحتاج بايدن إلى تصويت شيوخ جمهوريين كثيرين كي يصل إلى الثلثين.
يفترض بايدن بأن الجمهوريين محبي إسرائيل سيؤيدون الاتفاق لأنه يتضمن التطبيع، لكن في ضوء التنحية أمس، والتي معناها معارضة لكل تعاون مع الديمقراطيين ومعاقبة أولئك الذين يؤيدونه، بات مشكوكاً الحصول على تأييد الشيوخ الجمهوريين الذين يؤيدن اتفاقاً مع السعودية، وسيقر الاتفاق في مجلس الشيوخ أساساً في سنة انتخابات قاسية وثقيلة للرئاسة.
البروفيسور ايتان غلبوع

المصدر: صحيفة معاريف الاسرائيلية

ترجمة: صحيفة القدس العربي