إيكونوميست: السيسي عجّل الانتخابات لقطع الطريق على خصومه.. ولا يوجد ضمان بأن ينهي ولايته الثالثة

Spread the love
image_pdfimage_print

نشرت مجلة “إيكونوميست” تقريرا حول الانتخابات الرئاسية المبكرة في مصر، قائلة إنها دليل على قلق الرئيس عبد الفتاح السيسي، فمن السهل عليه الفوز بولاية ثالثة في الحكم، لكن البقاء حتى نهايتها سيكون أصعب.

وقالت المجلة إن الساسة يقودون حملاتهم بالشعر مع أنهم يحكمون بالنثر، كما يقول المثل، ومن النادر أن يكتبوا نثرا عن المعاناة.

ففي الشهر الماضي، أعلن عبد الفتاح السيسي، الديكتاتور العسكري، شعارا قاتما للانتخابات المقبلة، بقوله: “لو ثمن التقدم والازدهار للأمة إنها ما توكلش وتشرب، ما نوكلش ونشربش”.

من السهل على السيسي الفوز بولاية ثالثة في الحكم، لكن البقاء حتى نهايتها سيكون أصعب

وبزيادة أسعار الطعام بنسبة 79.1%  منذ العام الماضي، فإن معظم الناخبين يفعلون ما يقوله الرئيس، “من الجميل والمناسب أن يموت الإنسان من أجل وطنه” كما قال الشاعر الروماني هوراس.

وفي 25 أيلول/ سبتمبر، أعلنت مصر عن عقد انتخابات رئاسية مبكرة، بدلا من عقدها في الربيع، وسيذهب الناخبون المصريون إلى صناديق الاقتراع  في 10 كانون الأول/ ديسمبر.

وكان التغيير متوقعا، فالسيسي يرغب بأن يزيح موضوع الانتخابات من طريقه قبل أن يتخذ القرارات الاقتصادية المؤلمة، ويخفّض قيمة العملة المحلية. وفي الديمقراطية، هذا قد يبدو سياسة، فالتسول للناخبين ليس تذكرة نصر. إلا أن المنطق وراء قرار تعجيل الانتخابات، قد يكون أكثر ضبابية في مصر، ذلك أن الناخبين هم مجرد مساعدين في مهزلة ديمقراطية. لكن السيسي الذي قاد انقلابا في 2013، يقف على أرض رخوة، فانتصار جديد يسمح له بالحكم حتى عام 2030. والسؤال الذي بدأ الكثير من المصريين يهمسون به، هل سيظل الرئيس في الحكم طويلا؟

وتقول المجلة: “لا شك أن السيسي سيفوز”، ففي الانتخابات السابقة عام 2018 لم يواجه إلا “معارضا” واحدا كان هو نفسه يدعم السيسي، وجاء في المرتبة الثالثة، فالأصوات الضائعة جاءت في المرتبة الثانية. وتم منع أي شخص كان يُنظر إليه كتهديد للرئيس من الترشح للانتخابات، حيث تعرضوا للسجن أو الخويف كي يتخلوا عن الدخول في السباق.

وفي هذه المرة، تحدث أربعة أشخاص عن المشاركة في الترشح للانتخابات، ولكن لا أحد منهم لديه دعم، كما تقول المجلة. فقد قال النائب السابق أحمد الطنطاوي، إن عددا كبيرا من داعميه اعتُقلوا بعدما أعلنت الحكومة عن موعد الانتخابات. وكشف مختبر “سيتزن لاب” بجامعة تورنتو الكندية، أن هاتف الطنطاوي تعرض للاختراق ببرنامج التجسس “بريدتور”.

الطنطاوي قال إن عددا كبيرا من داعميه اعتُقلوا بعد الإعلان عن موعد الانتخابات. وكشف أن هاتفه تعرض للتجسس

وأعلن السيسي عن ترشحه للانتخابات بعدما قام حلفاؤه بنقل آلاف الأشخاص بالحافلات إلى مراكز البريد للتوقيع على التوكيلات التي تدعم ترشيحه. وتعلق المجلة أن الكثيرين منهم حصلوا على رشى أو أُجبروا على ذلك. وقال السيسي كما هي عادته: “إنني أُلبّي اليوم نداءكم مرة أخرى. وعقدت العزم لترشيح نفسي لكم لاستكمال الحلم”، وبدا مثل زعيم متردد ضغط عليه شعبه الذي يحبه.

وتقول المجلة إنه لا توجد هناك استطلاعات رأي يمكن الوثوق بها، ويمكن القول إن هناك قلة من المصريين لا تزال تحب السيسي. فالمصريون العاديون الذين رحبوا بانقلابه عام 2013 لأنهم كانوا يحنّون للاستقرار، يلعنون الآن الطريقةَ التي عالج فيها الاقتصاد.

وفقد الجنيه نصف قيمته منذ بداية 2022. وفي آب/ أغسطس، وصل التضخم السنوي إلى 39.7%. وأدى نقص الدولار لمصاعب أمام رجال الأعمال الذين يحاولون تمويل الاستيراد، وزادت نسبة الدين الخارجي من 17% من الناتج المحلي العام عام 2013، إلى 39% اليوم.

ووقّعت مصر على اتفاقية مع صندوق النقد الدولي في كانون الأول/ ديسمبر (وتعتبر اليوم ثاني أكبر مدين للصندوق)، لكنها لم تحصل إلا على 347 مليون دولار على شكل قرض. وكانت هناك مراجعة ستتم في آذار/ مارس لكي يُفرَج عن المزيد من الأموال، وتم تأخيرها لأن مصر لم تحرز تقدما في تحقيق مطالب الصندوق، كبيع الأصول التي تملكها الدولة وتعويم العملة.

ولم تحقق حكومة السيسي إلا نتائج متواضعة في بيع الأصول، فقد باعت حصصا بقيمة 1.9 مليار دولار خلال ستة أشهر حتى حزيران/يونيو، ولم تصل إلى الهدف وهو 2 مليار دولار، وتأمل بأن يتحول المبلغ إلى 4 مليارات دولار في حزيران/يونيو 2024. ولكنها ترفض تحويل الأصول التي يمكلها الجيش وإمبراطوريته التي تعتبر عقبة أمام نمو شركات القطاع الخاص وتزاحمها.

وفي آب/ أغسطس الماضي، عقد السيسي اجتماعا بشأن زيادة صناعة الحديد والصلب، وكان كل الحاضرين من أصحاب الزي العسكري، لا رجال أعمال.

ويظل تعويم العملة، أصعب. فسعر السوق السوداء يظل 20% أقل من السعر الرسمي. فالجنيه الضعيف سيؤدي إلى زيادة التضخم (يقول صندوق النقد الدولي إنه سيصل إلى 34% في 2024، صعودا من 24% هذا العام). وحتى المحللون المتفائلون في البنوك المصرية، يشككون في قدرة المصرف المركزي للوصول إلى هدفه وهو 7% تضخم.

وعلى مصر أن تدفع 29.2 مليار دولار من الديون الخارجية في العام المقبل، أي بزيادة عن 19.3 مليار دولار في عام 2023. وهذا يساوي 85% من 34.5 مليار دولار في احتياطيها من النقد الأجنبي، وهو رقم جاء معظمه نتيجة الودائع من دول الخليج.

ورغم استعداد دول الخليج للحفاظ على هذه الودائع في مصر لأمد غير محدود، إلا أن قادتها سئموا من السيسي ويترددون في منحه المزيد من الأموال. وكذا شركات الاستثمارات الخاصة، فقد تضاعف سعر الفائدة منذ بداية 2022، إلى 19.75%، وارتفاع التضخم يعني أن معدلات العقارات سلبية.

وتمنح البنوك المملوكة من الدولة أرباحا بنسبة 9% على ودائع الدولار، وهي عوائد يُشتم منها رائحة “خطة بونزي”. وتقوم وكالة التصنيف الائتماني “موديز” بمراجعة مصر وإمكانية تخفيض تصنيفها الائتماني، حيث وضعت البلد بمرتبة “بي 3” في شباط/ فبراير. وربما يقوم بنك “جي بي مورغان” بشطب مصر من مؤشر سندات الأسواق الصاعدة، لخشية المستثمرين من إعادة أموالهم إلى بلادهم.

السيسي لا يقدم شيئا سوى “الحديث الفارغ” مثل قوله للشباب إنه يمكنهم الحصول على “دخل محترم” لو تبرّعوا ببلازما الدم كل أسبوع

وتقول المجلة إن السيسي لا يقدم شيئا سوى “الحديث الفارغ” بحسب وصفها. ففي حزيران/ يونيو، أكد أنه لن يوافق على تخفيض جديد للعملة، ولكنه قال الشهر الماضي إن “النهاية قريبة” للأزمة الاقتصادية. وقال للشباب إنه يمكنهم الحصول على “دخل محترم” لو تبرّعوا ببلازما الدم كل أسبوع.

وتفاخر رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، بأن مصر أنفقت 9.4 تريليون جنيه (300 مليار دولار) على البنى التحتية خلال العقد الماضي. ولو كان هذا صحيحا، فإن معظم هذه الأموال وُضعت في مشاريع لا قيمة لها، من العاصمة الجديدة المهجورة في الصحراء، إلى توسيع قناة السويس والتي لم تحقق الكثير من العوائد المتوقعة.

ويجب أن تكون الانتخابات الأخيرة هي آخر حملات الرئيس، لأن الدستور يمنعه من تولي السلطة لولاية رابعة. ولكن الدستور نفسه كان يمنع ولاية ثالثة للرئيس، لكنّ السيسي عدّله في استفتاء زائف عام 2019، مما فتح له الباب للترشح مرة ثالثة.

ويرى الكثير من أنصاره بأن هذا خطأ، وطلبوا منه في الانتخابات الماضية التوقف عند ولايتين. وتذكّر أحدهم: “قلت له بأنه يمكنه التقاعد كرجل أنقذ مصر من الفوضى… تقاعد وقدم أفكارا جديدة”.

ولكن النصائح الودية تحولت إلى مكائد، حيث حاول رجال الأعمال والساسة وبعض ضباط الجيش، تجنيد منافس حقيقي.

وبالتسريع في موعد الانتخابات، يأمل السيسي بقطع الطريق على المؤامرات. وهذا منطق ديمقراطي يطبّق على دولة غير ديمقراطية. فمع أن الإطاحة بحسني مبارك في 2011 تذكر بأنها ثورة، لكن يمكن إطلاق اسم انقلاب عليها، فقد انقلب الجيش على الحاكم حفاظا على النظام الحاكم.

ويمكن أن يعيد التاريخ نفسه، خاصة لو أدت الأسعار المرتفعة إلى احتجاجات، حيث صرخ مشاركون في احتجاج صغير ليلة إعلان السيسي ترشيحه: “ارحل”، وهو شعار معروف في 2011.

وتختم المجلة بالقول: “سيفوز السيسي بولاية جديدة لمدة ستة أعوام، لكن لا يوجد ما يضمن السماح له بإنهائها”.

المصدر: صحيفة إيكونوميست البريطانية