دولة إسرائيل بحاجة إلى اتخاذ قرارات مصيرية حول مستقبل وطابع الدولة. من جهة، هناك إمكانية لعقد اتفاق سلام تاريخي مع السعودية برعاية أمريكية. وفي المقابل، يتسارع الصراع حول طابع إسرائيل، ويمكن أن يتدهور ويصل إلى أزمة دستورية، بصورة قد تقوض أسس الديمقراطية والليبرالية في دولة إسرائيل، وتعمق المس بالأمن والحصانة القومية.
كل ذلك في الوقت الذي تزداد فيه التهديدات الخارجية التي نواجهها. أولاً من جانب إيران وحلفائها في المنطقة، هذا يرسخ مكانتها كدولة حافة نووية، وتستمر في تعززها العسكري. إلى ذلك، يجب إضافة قابلية الساحة الفلسطينية للانفجار. وهذا الأمر ينعكس في تجدد الاحتكاكات العنيفة على حدود القطاع بمبادرة من حماس، والجهود التي تبذل لتنفيذ عمليات داخل إسرائيل بواسطة عبوات ناسفة متطورة وبتدخل متزايد من إيران.
الصفقة السعودية – الأخطار
أقوال ولي العهد السعودي في المقابلة التي أجرتها معه شبكة “نيوز فوكس” بأنه “في كل يوم نقترب من اتفاق التطبيع مع إسرائيل”، أثارت التوقعات حول إمكانية التوصل إلى الاتفاق في الفترة القريبة القادمة. مع ذلك، ما زالت الطريق مليئة بالتحديات والعقبات.
تخصيب اليورانيوم
ترى إسرائيل أن طلبات السعودية لتطوير دائرة وقود نووي بشكل كامل على أراضي المملكة (تشمل القدرة على تخصيب اليورانيوم) والحصول على منظومات سلاح حديثة ومتقدمة، تجسد أخطاراً استراتيجية على الأمن القومي. هذا بسبب الخوف من البدء بسباق تسلح نووي إقليمي والمس بالتفوق النوعي للجيش الإسرائيلي. في خلفية ذلك اعتقاد بأن ولي عهد السعودية يسعى لأن تلتحق السعودية بإيران في الحصول على قدرة نووية عسكرية. وقد عبر عن ذلك في المقابلة مع “فوكس” عندما أوضح بأنه إذا قامت إيران بإنتاج قنبلة نووية فستسير السعودية في أعقابها.
القضية الفلسطينية
ربما تكون القضية الفلسطينية تحدياً مهماً آخر، هذا إزاء الطلبات المتوقعة التي لم يكشف عنها حتى الآن بشكل علني من جهة ولي عهد السعودية والرئيس الأمريكي. في المقابل، ثمة علامات استفهام حول استعداد وقدرة نتنياهو السياسية على الرد عليها بالإيجاب. يبدو أن الطلبات تشمل، ضمن أمور أخرى، الاعتراف بحل الدولتين والامتناع عن القيام بخطوات أخرى أحادية الجانب مثل توسيع المستوطنات ووقف سياسة العقاب الاقتصادي وإقامة قنصلية أمريكية في شرقي القدس. وربما تطلب السعودية والولايات المتحدة من إسرائيل نقل مناطق في “يهودا والسامرة” (من مناطق ج و/أو ب) إلى سيطرة كاملة للسلطة الفلسطينية.
المحور الراديكالي
يجب إضافة الجهود المتوقعة من جهة المحور الراديكالي بقيادة إيران إلى ذلك، من أجل إثارة الاستفزازات التي ستؤدي إلى تخريب، أو على الأقل تأجيل، المفاوضات. هذا بسبب التداعيات المباشرة للاتفاق على الوضع الاستراتيجي لأعضاء المحور. ليس عبثاً أن أعلن الرئيس الإيراني بأن التطبيع “لن ينجح”.
الجدول الزمني
في نهاية المطاف، يمتد الجدول الزمني من أجل التوصل إلى اتفاق بضعة أشهر، بسبب الحاجة إلى مصادقة مجلس الشيوخ بأغلبية الثلثين وبسبب الانتخابات الرئاسية وانتخابات الكونغرس في تشرين الثاني 2024. والمعنى أن الرئيس الأمريكي، جو بايدن، سيضطر، في سنة الانتخابات، إلى تجنيد دعم ليس أقل من 16 عضواً في مجلس الشيوخ من الحزب الجمهوري والـ 51 عضواً من الحزب الديمقراطي في مجلس الشيوخ، بما في ذلك أصحاب التوجهات العدائية تجاه ولي العهد السعودي، الذين لديهم توجهات انتقادية تجاه إسرائيل.
قابلية المنظومة الفلسطينية للانفجار
استئناف الاحتكاكات العنيفة على حدود قطاع غزة وإطلاق البالونات الحارقة بمبادرة من حماس، إلى جانب استمرار جهود الجهات الإرهابية في شمال “السامرة” لتنفيذ العمليات، كل ذلك يعكس قابلية كبيرة للانفجار، القائمة في المنظومة الفلسطينية.
يبدو أن الأحداث على حدود القطاع استهدفت تحقيق عدة أهداف في الوقت نفسه: الحصول على بادرات حسن نية اقتصادية أخرى من قطر، وتجسيد ثمن الخسارة لإسرائيل، ورسائل تحذيرية من خطوات استفزازية في الأماكن المقدسة في القدس. عملياً، يدور الحديث عن لبنة أخرى في إطار جهود حماس المستمرة لتحسين موقعها بخصوص القدرة على العمل والدفع قدماً بالعمليات الإرهابية العنيفة، سواء في القطاع أو في مناطق “يهودا والسامرة” وحتى من لبنان. كل ذلك من أجل تمهيد الأرض لتطبيق الخطة الاستراتيجية لترسيخ سيطرتها في “يهودا والسامرة”. هذه التطورات تدعو قوات الأمن لتنفيذ عمليات وقائية عميقة، بصورة تشكل عبئاً آخذاً في التزايد. في موازاة ذلك، تجنبت الحكومة اتخاذ خطوات لتعزيز السلطة، التي هي في الأصل في عملية تآكل، وعملياً هي تعمل على إضعافها. في الوقت نفسه، تدفع الحكومة قدماً بسياسة توسيع المستوطنات والضم الفعلي لمناطق في “يهودا والسامرة”.
تعزز إيران متعدد الأبعاد
تشكل إيران التهديد الرئيسي لإسرائيل، وهي اليوم في عملية تعزز متعدد الأبعاد مع تحسين مكانتها في الساحة الدولية والإقليمية. كل ذلك ينعكس على الثقة بالنفس والجرأة المتزايدة على تحدي إسرائيل. في مجال النووي، ترسخ إيران مكانتها كدولة حافة نووية. وقامت حتى الآن بتجميع ما يكفي من اليورانيوم المخصب بمستوى 60 في المئة (121 كغم)، وهي الكمية التي تمكنها خلال فترة تبلغ بضعة أسابيع، مع قرار من الزعيم، من الوصول إلى مواد متفجرة تكفي لعدة رؤوس نووية. الاتفاق مع الولايات المتحدة على إطلاق سراح متبادل للسجناء مقابل تحرير 6 مليارات دولار مجمدة في كوريا الجنوبية (ربما أموال أخرى في العراق)، ويبدو أيضاً تفاهمات شفوية في المجال النووي. في هذا الإطار، نجحت إيران في الحفاظ على قدرتها في المجال النووي، وتعهدت في المقابل بالامتناع عن تخصيب بمستوى 90 في المئة (المستوى العسكري المطلوب لإنتاج القنبلة)، وإبطاء وتيرة التخفيض إلى مستوى 60 في المئة.
في المجال العسكري، تواصل إيران تحسين قدرتها العسكرية مع التأكيد على الصواريخ البالستية والطائرات بدون طيار. العلاقات الأمنية الوثيقة مع روسيا والانتهاء المتوقع في الشهر الحالي للعقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة (القرار 2231) على نظام آية الله، ربما تسمح لها بالصعود في هذه المجالات مقدار درجة. قرار إيران إبعاد ثلث المراقبين الدوليين للوكالة الدولية للطاقة النووية الذين يعملون في إيران، يجسد ثقة إيران في نفسها في الوقت الحالي. في موازاة ذلك، تعمل إيران على إذكاء العناصر الإرهابية بواسطة التوجيه والتمويل والتسليح والعبوات الناسفة. هذا بسبب رغبة في تشجيع العمليات الإرهابية ضد إسرائيل في “يهودا والسامرة” وقطاع غزة، وليس من لبنان، بسبب سعيها إلى الحفاظ على قدرات “حزب الله”. إلى جانب ذلك، تواصل إيران جهودها لتنفيذ العمليات ضد أهداف يهودية وإسرائيلية في أرجاء العالم. وحسب أقوال رئيس الموساد، فإنه تم إحباط 27 محاولة كهذه منذ بداية السنة.
معان وتوصيات
يجب أن تعمل حكومة إسرائيل أولاً وقبل كل شيء على منع التدهور في الداخل وإعادة التماسك في المجتمع الإسرائيلي الذي هو أساس قوتنا منذ قيام الدولة. لذلك، يجب عليها الالتزام بأنه لن يتم تنفيذ أي تغييرات تشريعية بدون اتفاق واسع، والامتثال لقرارات المحكمة العليا. ثمة أهمية كبيرة أيضاً للتصريحات المتكررة للرئيس الأمريكي حول حاجة إسرائيل إلى الحفاظ على طابعها الديمقراطي كأساس للقيم المشتركة والعلاقات الوثيقة بين الدولتين.
بخصوص الصفقة مع السعودية، على إسرائيل أن تعارض أي خطة تمكن من تخصيب اليورانيوم في السعودية، والتأكد من أنه تم الحفاظ على التفوق النوعي للجيش الإسرائيلي. في الوقت نفسه، وبسبب التداعيات الاستراتيجية والأمنية بعيدة المدى للاتفاق وإزاء دروس الماضي، نوصي بإجراء عمل لطاقم واسع وشامل من خلال دمج جميع الجهات المهنية ذات العلاقة.
إزاء التصعيد في القطاع، خاصة في فترة “عيد المظلة”، وإلى جانب استمرار النشاطات الوقائية الحازمة، فإنه مطلوب إظهار الحساسية في كل ما يتعلق بالأماكن المقدسة وبؤر الاشتعال الأخرى المحتملة. لهذه السياسة أهمية خاصة بخصوص عملية التطبيع مع السعودية والعلاقات الخاصة مع الأردن.
طاقم المعهد
معهد السياسة الاستراتيجية الإسرائيلي
