أزمات اقتصادية يسببها الحصار الإسرائيلي المتواصل على غزة

Spread the love
image_pdfimage_print

يعاني قطاع غزة منذ عقد ونصف من تبعات أزمات اقتصادية خانقة، أسهم في تكريسها وتفاقمها العديد من العوامل ومن أبرزها الاحتلال الإسرائيلي الذي يواصل فرض حصار على قطاع غزة براً وبحراً وجواً، أدى في مجمله إلى تدهور ظروف الحياة المعيشية والإنسانية للسكان، حيث وصف هذا الحصار بالأشد والأطول على مدى التاريخ، وتركز إسرائيل من خلاله بالضغط اقتصادياً على قطاع غزة، من خلال فرض قيود مشددة على حركة البضائع عبر معبر كرم أبو سالم، والأشخاص ورجال الأعمال عبر معبر بيت حانون «إيرز» وهذا ما أدى إلى دخول اقتصاد القطاع في حالة ركود، فاقمها الوقف المتكرر بين الحين والآخر للصادرات والواردات، فضلاً عن تدمير عشرات المصانع بشكل متعمد خلال العمليات العسكرية المتكررة على غزة.

حجة ازدواجية الاستخدام

وتأثرت العديد من القطاعات التجارية والاقتصادية بشكل مباشر من جراء هذا الحصار الجائر، ومن أبرز القطاعات التي تعاني من ركود حاد وتجد صعوبة في التعافي قطاع الزراعة والصناعة والصيد البحري والخدمات. فعلى صعيد القطاع الزراعي تمنع إسرائيل المزارعين من تصدير منتجاتهم إلى أسواق الضفة الغربية وأوروبا، أما على صعيد قطاع الصناعة، فتمنع إسرائيل إدخال المواد الخام اللازمة للعديد من الصناعات المحلية بحجة ازدواجية الاستخدام، أما قطاع الصيد فممنوع إبحار الصيادين لمسافات بعيدة خلال رحلة الصيد وتبقيهم على مقربة من الشاطئ، كما تعتدي عليهم بشكل يومي بإطلاق الرصاص، أما على صعيد قطاع الخدمات، فترتفع نسبة البطالة بشكل كبير جداً داخل غزة، جراء تراكم أعداد كبيرة من الخريجين وصعوبات تواجه الحكومة في غزة في توفير فرص عمل، نتيجة منع إسرائيل التمويل الخارجي لأي مشاريع تنقذ الشباب من واقع البطالة.
ونتيجة لتفاقم الأوضاع الاقتصادية والمعيشية في القطاع، أطلقت اللجنة الشعبية لكسر الحصار في غزة الأسبوع الماضي حملة «افتحوا موانئ غزة» مطالبة برفع الحصار المفروض على القطاع، واستجابت دول عدة لنداءات السكان في القطاع الذين يطالبون برفع الحصار وفتح الموانئ أمام حركة تنقل المواطنين من غزة إلى الخارج، ولقيت المناشدات تجاوبا عربيا ودوليا كبيرا، بعد أن أطلق المتضامنون حملة لكسر الحصار عن قطاع غزة، لتشكل ضغطا سياسيا وإعلاميا وشعبيا، لإجبار الاحتلال الإسرائيلي على رفع الحصار الذي انهك السكان، ويعول الفلسطينيون كثيراً على الضغط الذي تمارسه البرلمانات الأوروبية والعربية على إسرائيل، في شأن إنهاء قيود الحصار البحري مع وجود أربعة موانئ مشيدة في مناطق مختلفة من غزة، اثنان منها مجهزان جزئياً لحركة الأفراد والتبادل التجاري، والبقية بمثابة مرافئ لمراكب الصيادين، لكن إسرائيل لا تسمح لهذه المرافئ بالعمل نهائيا.

فتح المعابر

وتعرقل إسرائيل أي محاولات لفك الحصار وإعادة فتح المعابر بشكل مباشر وفتح موانئ غزة أمام العالم، حيث يعارض رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أي خطة من شأنها فتح ممر مائي أو ميناء تجاري لقطاع غزة، بحجة أن ذلك يصعب من امكانية فحص البضائع والناس الذين يدخلون ويخرجون من القطاع، مضيفاً أن الجيش يرى أن هناك مشكلة أمنية في إقامة الميناء وفتحه على العالم الخارجي، لكن جهات في وزارتي الخارجية والمالية تقول، إن هذا الحل يعتبر جيداً من الناحيتين السياسية والاقتصادية للسكان، ويخفف من حدة التهديد القادم من غزة، في المقابل اقترح عضو الكنيست أفيغدور ليبرمان عندما كان يشغل وزير الدفاع في فترة سابقة، تدشين ميناء عائم على جزيرة اصطناعية تصل غزة بجسر يمكن تفكيكه، وتكون قبالة سواحل القطاع وإنشاء ممر آمن لسفر الأفراد، لكن تم رفض هذا المشروع من قبل الحكومة آنذاك.
وفي محاولة منهم للحد من حالة الانهيار القصوى التي يعانيها الاقتصاد بفعل المضايقات الإسرائيلية، شرع عدد من رجال الأعمال الفلسطينيين بالمشاركة مع استثماريين من دول أوروبية، بإطلاق مشاريع استثمارية وتنموية من أجل تخفيف الحصار المفروض على قطاع غزة لدعم صمود السكان في ظل الضغوط الإسرائيلية. وتتركز جهود رجال الأعمال والاقتصاديين حاليا على تنفيذ مشروع للطاقة الشمسية وإنتاج الطاقة الكهربائية، من أجل دعم المشاريع الاقتصادية واستمرارية عملها في ظل الأزمة الكبيرة التي تعانيها غزة من انقطاع التيار الكهربائي وتأثر العديد من المنشآت الصناعية من انقطاع التيار لساعات طويلة يومياً. وفي تعقيب له على ذلك، يقول الخبير الاقتصادي محسن أبو رمضان إن الحصار البحري الذي يواصل فرضه الاحتلال على غزة، أثر بشكل سلبي على الوضع المعيشي للصيادين، بعد فرض قيود بحرية على قطاع الصيد، ومنع الصيادين من استغلال ثرواتهم البحرية، بالإضافة إلى منع دخول المعدات الخاصة بالصيد، والأصعب من ذلك تعرض الصيادين لانتهاكات مستمرة ويومية، إلى جانب حرمان إسرائيل حكومة غزة من استغلال مواردها الطبيعية في البحر، بما فيها حقول الغاز التي تقع في المياه الإقليمية.
وأشار لـ«القدس العربي» إلى أن إغلاق المنافذ والمعابر يعني تدميراً كاملاً لقطاع الصيد، وبالتالي تردي الوضع الاقتصادي لقرابة 4000 صياد يعملون في هذه المهنة الشاقة، فقطاع غزة يصدر شهرياً 80 طناً من الأسماك، وتوقيف عملية التصدير كبد قطاع الصيد خسائر مالية فادحة، والمطلوب الآن دولياً العمل على رفع الحصار بشكل كامل وليس تخفيف القيود، وفتح الموانئ لحركة الملاحة والتبادل التجاري لتحسين الواقع الاقتصادي لغزة.
وبين أن الاحتلال يضع العقوبات الاقتصادية دائما في مقدمة أي عقوبات يريد فرضها على قطاع غزة، على اعتبار أن الاقتصاد من القطاعات الحساسة بالنسبة للغزيين، فعندما تريد إسرائيل الحصول على أثمان من غزة تعاقبها اقتصادياً، وهذه السياسة تتبعها سواء على المعابر البرية التجارية أو حتى بحراً، وتدفع الفصائل إلى التصعيد عسكرياً، وهذا يكرس معاناة المواطنين بشكل أكبر.

العقاب الجماعي

يشار إلى أن قطاع غزة يقبع تحت الاحتلال الإسرائيلي بالرغم من الانسحاب أحادي الجانب من القطاع عام 2005 إذ احتفظت إسرائيل بالسيطرة الكاملة على منافذ القطاع البرية والبحرية والجوية، وبالمثل فهي تسيطر على السجل السكاني وشبكات الاتصالات والعديد من الجوانب الأخرى للحياة اليومية والبنية التحتية، وبدلاً من القيام بواجبها في حماية المدنيين، فرضت إسرائيل على السكان شكلًا غير مسبوق من أشكال العقاب الجماعي وهو الحصار، وما أفرزه هذا العقاب ضرب مفاصل الحياة المعيشية للسكان، في انتهاك صارخ للقانون الدولي الإنساني.

اسماعيل عبد الهادي

المصدر: صحيفة القدس العربي