بعد “صلاة الاستفزاز”: تل أبيب.. من مركز للعلمانية إلى نواة توراتية

Spread the love
image_pdfimage_print

لم تكن أي قدسية في قلوب من نظموا وأداروا الصلاة المنفصلة في ميدان “ديزنغوف”؛ لا الرغبة في الاجتماع حول الألم وتركيز الروح وإجراء الحساب، ولا تعذيب نفوسهم مثلما يفعل اليهود الحريديم والتقليديون، ولا طلب المغفرة بسبب خطاياهم. لم يكن هذا فعلاً دينياً، ولم تكن صلاة. بل هي مظاهرة واستفزاز. كانت نوعاً لقوة من يمين مسيحاني متطرف، ومحاولة احتلال أخرى على طريقة “شبر إثر شبر”، لحيز مادي ونفسي ليبرالي.

كلمة “صلاة” ليست مطهراً مطلقاً لتسويغ كل مفسدة. وعندما تصبح أداة تهكمية يمكنك في إطارها أن تخرق القانون وتفرض إرادتك بالقوة، فلا تتباكى ولا تدعي الضحية، لأن من ستأتي لتهدده سيقاتل في سبيل روحه وفي سبيل قيمه.

صعب وليس لطيفاً، أن نرى مصلين (معظمهم ببراءة وعن حق جاؤوا للصلاة) يتفرقون رغم أنوفهم. لكن الالتئام في جوقة تنديد ضد من لم يسمحوا بصلاة منفصلة، هو عمى عن المضمون. إن الصراع ضد توسيع الفصل بين النساء والرجال في الحيز العام بل وفي مجال هو قلب ورمز الليبرالية والحرية، ليس ملاحظة هامشية. كما أنه ليس صراعاً ضد الدين، هذا جزء من صراع أيديولوجي وتاريخي متواصل ضد قمع النساء. كما أنه صراع على احترام قرارات السلطة القضائية، وصراع مرير وبطولي على قيم ديمقراطية أساسية.

من لم يسمحوا بمظاهرة الفصل وباحتقار المحكمة لم يحتقروا قدسية اليوم ولو للحظة واحدة. لم يسافروا في يوم الغفران ولم يأكلوا في يوم الصيام. ليس لهذا الجمهور مصلحة في التظاهر في رفع الصوت وفي الإغاظة أو في التحدي في يوم الغفران. احترام اليوم المقدس ومضامينه، بطبيعية وبلا إكراه، هو من المزايا البارزة ليوم الغفران في تل أبيب. علمانيون كثيرون يصومون. بعضهم يرى أنه اليوم الوحيد في السنة الذي يذهبون فيه إلى الكنيس. كثيرون يتنزهون سيراً على الاقدام مع العائلة والأصدقاء، ويستخدمون الدراجات الهوائية، ويزو أحدهم الآخر دون تبليغ مسبق. الأجواء نقية وصافية، والهدوء يسود المكان حيث يسمع تغريد العصافير، ويجري الحديث ناعماً وبصوت خفيض. الهدوء الخارجي النادر يخلق أيضاً هدوء داخلياً وحساباً للنفس. كل هذا خرق بقدم فظة.

ليس مفاجئاً أن المنظمة التبشيرية “رأس يهودي”، هي التي خربت هذا اليوم الخاص، وثمة منظمة أخرى معها تؤمن بالتفوق اليهودي هي منظمة “الصلاة”، التي صرح مؤسسها إسرائيل زعيرا، بأن منظمته تعنى بنشر الدين، وأنه فخور بذلك. في موقع المنظمة، بلغة زائفة تستهدف أن تكون فخ عسل لتل أبيبيين أغبياء وفارغين في نظرهم يسمون أنفسهم “مركز الوعي الذاتي في قلب تل أبيب، الذي يمنح مضموناً وإلهاماً وتجربة نفسية”. أما عملياً فيدور الحديث عن جزء من مشروع لإقامة أنوية توراتية يمينية في قلب المدينة التي هي رمز الليبرالية والحرية. محاولة محسوبة لفرض جدول أعمال مناهض للإنسان، عنصري ومبعد للنساء.

زعيرا، بصفته المؤسس والمدير العام لشركة عقارية، مسؤول عن دعاية عرضت الشرقيين بشكل هازئ ومهين، ووعدت المشترين لسكن في محيط يهودي أشكنازي. وكان الحاخام المحرض يغئال لفنشتاين الذي أجرى “ورشة” بروح مذهبه “مركز الوعي الذاتي”، هو الآخر حل ضيف شرف. ليس مفاجئاً أن هذه العصبة تنخرط جيداً في روح العصر في ظل هذه الأجواء المتزمتة والمسيحانية والعنصرية التي تدور فيها حياتنا.

لقد فوجئوا برد الفعل واكتشفوا بأن شيئاً ما تغير في التل أبيبيين الذين يحتقرونهم ويحتقرون قيمهم. شيء ما انكسر. انتهى الاحتواء والاعتذار الدائم والخوف من أن يصفوهم بمقتلعي إسرائيل، وبالخونة، واليساريين، وغير اليهود. من دافعوا عن قيمهم في يوم الغفران، جاؤوا ليضعوا الحدود. الشرطة والبلدية على حد سواء، صمتوا في ضوء احتقار قرار المحكمة، وخلفوا فراغاً. وهم دخلوا إليه لانعدام البديل.

شيلي يحيموفيتش

المصدر: صحيفة يديعون أحرونوت الإسرائيلية

ترجمة: صحيفة القدس العربي