قبل ثلاث سنوات بالضبط رفرفت فوق بوابة هذه الصحيفة صور رائعة لصلاة ختامية أقيمت في ميدان “ديزنغوف” في تل أبيب، وأنهت عيد يوم الغفران. كانت فترة الموجة الثانية من وباء كورونا، وآلاف الأشخاص في تل أبيب، المتدينون التقليديون والعلمانيون، والذين أغلقت أمامهم الكنس بتوجيهات من وزارة الصحة، والذين لم تطأ أقدامهم أي كنيس منذ سنوات – وقفوا جميعاً في الهواء الطلق في لحظة من الوحدة الإسرائيلية الحقيقية، وهي لحظة من اللحظات القليلة التي عرفناها في السنوات الأخيرة. كان في أوساط المتدينين من صلوا مع فصل مرتجل بين الجنسين في قسم من الميدان. ولم يزعج هذا أي أحد.
لكن مثل هذه اللحظة لم تعد ممكنة هذه السنة؛ لقد انقضت حكومة اليهودية الأصولية، التي شكلها بنيامين نتنياهو، على الديمقراطية الإسرائيلية مع اندماج زعرنتها الفجة نحو كل قيمة لإسرائيل الليبرالية، وأعطت إشارة على بداية الحرب الثقافية. حرب التدين والتحرر من الدين. يبدو أن هذه الحرب كانت متوقعة، وربما حتى كان يجب أن تندلع في أي لحظة. ولكن لا شك أن الانقلاب النظامي كان المسرع لذلك. وعندما تكون تل أبيب في هذه الحرب، لا يمكن أن يوضع فيها فاصل للفصل بين الجنسين في أي صلاة يهودية.
الحرب من أجل الديمقراطية ليست فقط حرباً على الاتفاقات القانونية أو صلاحيات المحكمة العليا (التي تم سحقها أمس عندما تصرفت الشرطة خلافاً لقرارات المحكمة العليا التي أبقت قرار البلدية على حاله، وعدم السماح بوضع الفاصل)، بل من أجل الفضاء العام في تل أبيب، الذي أعتقد أنه يمكنه الهرب من مصير القدس، التي تتجه نحو الحريدية. هو أيضاً يتعلق بالهوية اليهودية لكل مواطن إسرائيلي يهودي.
الحرب الدينية التي افتتحت رسمياً في إسرائيل عند بداية الصوم، ستستمر وستكون قبيحة. في تل أبيب، وربما في مدن أخرى، بات التسامح تجاه وجود بؤر يهودية غير متسامحة، يتلاشى. يصعب الافتراض أن عرائش حركة حباد التي أقيمت في السابق في الشوارع الرئيسية، والتي عرضت على عابري السبيل تنفيذ وصية الأربعة أنواع، سيُسمح لها بأن تبقى قائمة. مبعوثو الحركة الذين يحاولون جعل عابري السبيل يضعون الوشاح الديني، يمرون الآن بتجربة من ينفذ عملية وراء خطوط العدو.
في هذه المرحلة لا يبدو أن هناك طريقة للجسر بين من اعتبروا أحداث يوم الغفران في تل أبيب محاولة لمتعصبين متدينين خرق قرار المحكمة العليا وفرض الفصل بين الجنسين في مدينة ليبرالية، وبين من اعتبروا هناك متطرفين علمانيين يمنعون اليهود من القيام بطقوس دينية. هذا الشرخ في المجتمع، إرث نتنياهو، لا يمكن رأبه في القريب. بالعكس، من المرجح أن تحاول الحكومة تعميقه أكثر.
نتنياهو سارع بعد انتهاء الصيام إلى إصدار بيان جاء فيه “المتظاهرون من اليسار نفذوا أعمال شغب ضد اليهود أثناء الصلاة”. الرسالة واضحة، هناك يساريون وهناك يهود. ذات يوم، عندما همس بصورة مسممة في أذن إسحق، قدم نتنياهو تسهيلات لليساريين وقال: “لقد نسوا ماذا يعني أن تكون يهودياً”. ببساطة، هم الآن ليسوا يهوداً. يمكن بالطبع الإشارة إلى نفاق من تعود على زيارة مع عائلته في يوم الغفران في السنوات الكثيرة التي قضاها في أمريكا بكنيس محافظ كان يصلي فيه الرجال والنساء معاً. ولكنها أنباء باتت قديمة. فمنذ ثلاثة عقود ونتنياهو يستغل الشرخ المصطنع بين “اليهود” و”الإسرائيليين” من أجل بناء قاعدته السياسية.
لم يعد بالإمكان التفريق بينه وبين إيتمار بن غفير الذي أعلن بأنه سيأتي لإقامة صلاة في تل أبيب في هذا الأسبوع. ما بدأ كشرعنة للكهانيين من أجل شرعنة ناخب اليمين، أصبح دمجاً قيمياً جوهرياً. نتنياهو وبن غفير يحملان عبثاً اسم اليهودية عندما يريدان تحطيم الديمقراطية. مع ذلك، محظور تجاهل حقيقة أن هذه الطريقة خدمتهما بشكل جيد. هما الآن يلاحظان فرصة كي يقوما بتصنيف المعارضين السياسيين، الذين يحبون الديمقراطية الإسرائيلية، بأنهم تنازلوا عن الهوية اليهودية. يجب أن يعمل الاحتجاج بدقة لئلا يسمح لهم بتصنيفه كمناهض لليهودية.
من سيستمرون في رؤية الحرب على الهوية الإسرائيلية كنضال من أجل القيم الديمقراطية في إسرائيل، ومن أجل الدفاع عن تل أبيب وعن الجيوب العلمانية من الأصولية، سيستمرون في خسارتهم للمعركة الشاملة. هذا في الأساس نضال على تعريف اليهودية في إسرائيل ومن أجل مستقبلها.
أغلبية ساحقة من اليهود الإسرائيليين، بما في ذلك التقليديون وجزء كبير من “الصهيونية الدينية” الذي لا يتماهى مع رسالة القائمة التي تسمي نفسها بهذا الاسم، ليسوا أصوليين. ولكنهم في معظمهم قبلوا كأمر مفروغ منه بأن من يعرّف اليهودية هم الهامشيون المتطرفون. إسرائيل الليبرالية تنازلت منذ فترة طويلة عن هذه الساحة. فقد تنازلت عن معركة التعليم الرسمي، واستسلمت بدون قتال عندما لم تهب للدفاع عن النساء اللواتي يتم رفض تطليقهن في المحاكم الدينية، ولم تهب للنضال في حالات كثيرة من أجل روح اليهودية الإسرائيلية.
في عيد يوم الغفران في هذه السنة، سمعت صرخة الانطلاق نحو الحرب من أجل اليهودية في إسرائيل. من يبحث عن شعار قد يجد الإلهام في صلاة يوم الغفران. “كي تنهي حكومة خبيثة من البلاد”. ولكن لن يكون كافياً تغيير الحكومة ووقف الانقلاب النظامي. من يريدون الحفاظ على الديمقراطية الإسرائيلية، عليهم المشاركة أيضاً في النضال على هويتها اليهودية.
انشل بابر
المصدر: صحيفة هآرتس الإسرائيلية
ترجمة: صحيفة القدس العربي