الهجرة السرية الإفريقية بين الحقائق والسياسات الأوروبية

Spread the love
image_pdfimage_print

العوامل التي تصنع بيئة طاردة للشباب الإفريقي لا تزال قائمة، ودول الاتحاد الأوروبي أحد الأسباب الرئيسية بسبب سياساتها التي تتعاطى بها مع القارة. وعليه، إذا كان الاتحاد الأوروبي يريد حل مشكلة الهجرة بشكل جاد عليه أن يعيد النظر في سياساته الخارجية مع دول إفريقيا.

الهجرة غير الشرعية هي أحد الملفات المهمة في الساحة الدولية، وهي تعد من القضايا المعقدة بسبب جذور المشاكل التي ترتبط بها والآثار المترتبة عليها في تنامي الصراعات والنزاعات بين دول الاتحاد الأوروبي من جهة، وبين الاتحاد الأوروبي ودول شمال إفريقيا من جهة أخرى، وكذلك مع الدول التي تقع شرق وجنوب حدود الاتحاد الأوروبي. تتنوع الأسباب التي تدفع للهجرة بين الحروب والصراعات وتنامي الفساد والاستبداد وارتفاع البطالة وانخفاض فرص العمل في الوقت الذي يتنامى فيه تعداد السكان. كما تمثل فئة الشباب الكتلة الأكبر من المجتمع الإفريقي، ويرجع ذلك لاتباع سياسات غير رشيدة من قبل حكومات الدول الإفريقية بجانب ضعف قدرتها على إدارة مواردها بخلاف حكمها القمعي والأمني. هذا بالإضافة إلى الدور الذي تلعبه القوى الدولية، والذي يمكن وصفه بالاستغلالي والسلبي بسبب التنافس الشرس فيما بينها في الاستحواذ على الموارد الطبيعية وتعزيز تموضعها الإستراتيجي في القارة.

لقد بلغ تعداد سكان الاتحاد الأوروبي نحو 446.7 مليون نسمة، في يناير/ كانون الثاني 2022. يوجد 23.8 مليون مواطن من خارج الاتحاد الأوروبي ما يمثل 5.3٪ من إجمالي السكان. وفي عام 2021، مثَّل المهاجرون نحو 8.84 مليون عامل في سوق العمل بالاتحاد الأوروبي أي ما يعادل 4.7٪ من إجمالي العاملين البالغ عددهم 189.7 مليون عامل(1). وتعد الهجرة الإفريقية في مسار تصاعدي، ففي آخر عقدين ارتفع عدد المهاجرين من القارة الإفريقية لأكثر من 40 مليون مهاجر بنسبة ارتفاع تصل لنحو 30٪ عن عام 2010، ولا يبدو أن تلك النسبة ستنخفض في المدى المتوسط والمنظور(2). وهو يعد 14.5٪ من إجمالي عدد المهاجرين في العالم، بينما يبلغ عدد المهاجرين في آسيا 41٪، وفي أوروبا 22.5٪(3)؛ لذلك من المهم أن نعي أن حجم الاهتمام بملف المهاجرين من إفريقيا ليس لأنه الأكبر من حيث عدد المهاجرين لكنه مدفوع بتوجهات إعلامية وسياسية من دول الغربية.

وفقًا للبيانات الصادرة عن إدارة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية بالأمم المتحدة لعام 2020 سنجد أن أعداد المهاجرين ارتفعت خلال 30 عامًا من 1990 إلى 2020 بنسبة تقدر بنحو 40٪ مرتفعة من 17 مليون مهاجر إلى 28.5 مليون مهاجر(4). انظر (الجدول 1) و(الشكل1).

الشكل الأول: عدد المهاجرين من عام 1990- 2020
الشكل الأول: عدد المهاجرين من عام 1990- 2020

جدول (1) معدل التغير لأعداد المهاجرين كل خمس سنوات (1990 – 2020)

السنة1990199520002005201020152020
عدد المهاجرين17086921175607801632137217624813201612282634071028516556
نسبة الزيادة السنوية عن سنة 1990 2.69%4.69%-3.05%15.24%35.13%40.08%

يعد إقليما شرق وغرب إفريقيا الأعلى من حيث عدد المهاجرين؛ فوفقًا لبيانات الأمم المتحدة تصدَّر إقليم شرق إفريقيا باقي الأقاليم بعدد مهاجرين بلغ نحو 7 ملايين و682 ألف مهاجر، ثم إقليم غرب إفريقيا بعدد مهاجرين بلغ 7 ملايين و652 ألف مهاجر، فإقليم وسط إفريقيا بعدد مهاجرين بلغ نحو 3 ملايين و861 ألفًا ثم إقليم شمال إفريقيا بعدد مهاجرين بلغ نحو 3 ملايين و167 ألف مهاجر. (انظر الجدول 2) و(الشكل 2).

الشكل الثاني: عدد المهاجرين بحسب الإقليم الجغرافي داخل إفريقيا من عام 1990-2020
الشكل الثاني: عدد المهاجرين بحسب الإقليم الجغرافي داخل إفريقيا من عام 1990-2020

جدول (2) عدد المهاجرين بحسب الإقليم الجغرافي داخل إفريقيا من عام 1990-2020

 1990199520002005201020152020
إقليم وسط إفريقيا1 461 1552 662 4901 775 2841 961 9512 436 8023 479 9113 861 568
إقليم شمال إفريقيا2 403 3252 081 6401 900 4481 749 7181 952 0402 138 9183 167 926
إقليم شرق إفريقيا5 959 1834 977 6444 847 1194 788 6494 743 6576 696 9227 682 801
إقليم غرب إفريقيا4 470 7385 433 5955 261 1315 957 0486 321 6377 067 1387 552 097
إقليم جنوب إفريقيا1 395 2651 201 7081 267 6951 582 7212 352 5413 477 9033 125 072

العوامل الهيكلية داخل إفريقيا في ارتفاع الهجرة غير الشرعية

  1. القدرة الاستيعابية للمدن والنزوح الجماعي

تشهد القارة الإفريقية معدل نمو متسارعًا لسكان المدن والقرى حيث تراجعت نسبة سكان الريف مقابل سكان الحضر في إفريقيا من 84٪ سنة 1955 إلى 43.4٪ من إجمالي سكان إفريقيا في سنة 2019(5).

قد يُنظر لهذا الرقم من زاوية إيجابية من حيث ارتفاع معدلات النمو والاستهلاك من وجهة نظر نيوليبرالية، لكن في الحقيقة تؤكد تلك الأرقام على حجم الضغط الذي تعيشه المدن الإفريقية، وهذا الضغط لم ينمُ بشكل طبيعي ومستقر نتيجة توافر فرص العمل وارتفاع معدل النمو الاقتصادي لكنه ناتج عن عمليات نزوح جماعي سريعة وكبيرة في فترات قصيرة جراء الاقتتال بين الجماعات المسلحة مع مؤسسات الدولة الأمنية أو غيرها من الأطراف المشاركة في القتال في مختلف الأقاليم الجغرافية في إفريقيا. كما أن المجموعات المسلحة غالبًا ما تأخذ أطراف الدولة والريف مناطقَ للتمركز. على سبيل المثال في الفترة الممتدة من 1990 إلى 2008 كانت إفريقيا وحدها تمثل 88٪ من حجم الضحايا بالعالم بالمقارنة مع باقي القارات. وكان الصراع الذي وقع في إقليم شرق جمهورية الكونغو والدول المجاورة أحد أكثر الصراعات التي وقع بها قتلى(6). هذا النمو أيضًا انعكس على القدرة الاستيعابية لتلك المدن وتسبب في تردي الخدمات العامة وانخفاض جودة الصحة والتعليم وارتفاع التهديدات الأمنية.

  1. ارتفاع معدل النمو السكاني بالمقارنة مع نصيب الفرد من الناتج المحلي

الدافع الرئيس للهجرات الإفريقية تجاه أوروبا هو في الأساس هجرات اقتصادية فحوالي 80٪ من الهجرة الإفريقية مدفوعة بالبحث عن الأفضل اقتصاديًّا، كما أن 7.2٪ فقط من المهاجرين الأفارقة في دول الاتحاد الأوروبي هم من اللاجئين(7). فأغلب سكان إفريقيا من فئة الشباب تحت سن 25 عامًا والذين يمثلون نحو 60٪ من إجمالي سكان إفريقيا(8). فاقتصادات الدول الإفريقية تتسم بأنها غير منظمة وتستشري فيها ظاهرة البطالة والفساد. وعند مقارنة النمو الاقتصادي في إفريقيا وأوروبا مع معدل النمو الديمغرافي سنجد تباينًا كبيرًا؛ حيث يقدر معدل النمو الديمغرافي لإفريقيا خلال الفترة الممتدة من 2010 إلى 2026 بنحو 48.6٪، فيما يقدر نصيب الفرد من الناتج المحلي في إفريقيا بنحو 32.3٪، أما في دول الاتحاد الأوروبي فيقدر معدل النمو الديمغرافي لنفس الفترة بنحو 1٪، بينما يقدر نصيب الفرد من الناتج المحلي بنحو 48.7٪(9)؛ لذلك يفكر الكثير من الشباب المتعلم في الهجرة بحثًا عن فرص عمل أفضل أو حياة أفضل (انظر الشكل 3).

الشكل الثالث: معدل نمو السكان ونصيب الفرد من الناتج المحلي لإفريقيا وأوروبا 2010-2026
الشكل الثالث: معدل نمو السكان ونصيب الفرد من الناتج المحلي لإفريقيا وأوروبا 2010-2026

مسارات الهجرة غير الشرعية داخل إفريقيا وخارجها

في عام 2022، قطع 331 ألف مهاجر غير شرعي الحدود غير النظامية الأوروبية مسجلين ارتفاعًا قدره 66٪ عن عام 2021، في حين عبر نحو 148 ألف البحر في عام 2021 بزيادة قدرها 29٪ عن عام 2021، بينما بلغ عدد من قطع الحدود البرية الأوروبية نحو 183 ألفًا بزيادة قدرها 110٪ عن عام 2021. ارتفع عدد المهاجرين غير الشرعيين الذين وصلوا إلى أوروبا من وسط البحر الأبيض المتوسط في 2022 نحو 56٪ عن العام الماضي بعدد 105 آلاف مهاجر، في حين ارتفع العدد من شرق البحر الأبيض المتوسط نحو 113٪ عن العام الماضي بعدد يقارب 44 ألف مهاجر. أما طرق غرب البلقان فقد ارتفعت نسبة المهاجرين منها نحو 134٪ مقارنة بعام 2021 بعدد يقارب 144 ألف مهاجر. فيما انخفض عدد المهاجرين القادمين من غرب البحر الأبيض المتوسط بما في ذلك طريق المحيط الأطلسي من غرب إفريقيا إلى جزر الكناري نحو 25٪ بعدد مهاجرين يقدر بنحو 30 ألفًا، أما طرق الحدود الشرقية لأوروبا فقد انخفضت النسبة إلى نحو 22٪ بعدد مهاجرين يقدر بـ6300 مهاجر مقارنة بعام 2021. وقد ارتفعت نسبة الوفيات في البحر المتوسط نحو 17٪ بالمقارنة مع 2021 حيث أُبلغ عن غرق أو فقدان 2406 مهاجرين في عام 2022 مقارنة بـ2062 في عام 2021(10).

أما فيما يتعلق بمسارات الهجرة غير الشرعية وخيارات المهاجرين للوجهات في الفترة الممتدة من 2010 إلى 2021 فتعد الدول الإفريقية الأكثر تضررًا بالمقارنة ببقية المسارات(11) والتي يمكن تقسيمها على المسارات الأربعة التالية (انظر الشكل 4):

  1. الهجرة داخل القارة الإفريقية: يتجه العدد الأكبر من المهاجرين داخل القارة بنسبة تصل لنحو 53٪، وتتوزع الكتلة الأكبر على الدول التالية بالترتيب: جنوب السودان، والسودان، والصومال، وجمهورية الكونغو الديمقراطية، وبوركينا فاسو، ومالي، وكوت ديفوار، وزيمبابوي، ونيجيريا، بمتوسط عدد مهاجرين يقدر بنحو 21 مليون مهاجر. وفي دراسة أخرى أكدت أن عدد المهاجرين يمثل 51.3٪ من إجمالي المهاجرين الأفارقة لعام 2021.
  2. الهجرة إلى دول الاتحاد الأوروبي: تأتي أوروبا مقصدًا ثانيًا مفضلًا للمهاجرين بنسبة تصل لنحو 28٪، وتتوزع الكتلة الأكبر على الدول التالية بالترتيب: المغرب، والجزائر، وتونس، ومصر، وليبيا التي تعد نقط تجمع للعديد من المهاجرين القادمين من نيجيريا، وجنوب إفريقيا، والكونغو، والسودان، بمتوسط عدد مهاجرين يقدر بنحو 11 مليون مهاجر.
  3. الهجرة إلى دول الشرق الأوسط: تأتي دول الشرق الأوسط في المرتبة الثالثة بنسبة تصل إلى 13٪ من المهاجرين، وتتوزع الكتلة الأكبر للمهاجرين على الدول التالية بالترتيب: مصر، والسودان، والصومال، وإثيوبيا، بمتوسط عدد مهاجرين يقدر بـ5 ملايين مهاجر.
  4. الهجرة إلى أميركا الشمالية: تأتي أميركا وكندا بنسبة منخفضة بالمقارنة مع بقية الوجهات حيث تصل النسبة من إجمالي الوجهات نحو 6٪، بمتوسط عدد مهاجرين يقدر بـ3 ملايين مهاجر.
الشكل الرابع: نسبة المهاجرين بحسب مسار الهجرة 2010 – 2021
الشكل الرابع: نسبة المهاجرين بحسب مسار الهجرة 2010 – 2021

تؤكد تلك الاحصائيات أن عامل القرب الجغرافي هو عنصر رئيس في تحديد وجهة المهاجرين، كما تشير إلى أن الدول الإفريقية هي الأكثر تضررًا من حيث تحمل أعباء المهاجرين بالمقارنة مع دول الاتحاد الأوروبي التي تتمتع بالاستقرار وتوافر فرص العمل. كانت تلك الصورة مهمة في فهم وزن المهاجرين من إجمالي عدد المهاجرين من إفريقيا.

كيف تؤثر الهجرة غير الشرعية على الاتحاد الأوروبي؟

  1. التأثير الديمغرافي والصناعي (تأثير إيجابي)

أسهمت الهجرة غير الشرعية في ضبط معدلات النمو الديمغرافي المتدنية في أوروبا، ففي عام 2011 كان معدل النمو السكان في الاتحاد الأوروبي إيجابيًّا بالرغم من تناقصه، ولكنه أخذ منحنى الهبوط بداية من عام 2012. والسبب هو تسجيل حالات وفيات أكثر من المواليد؛ فقد ارتفع عدد السكان 7.5 مليون نسمة فقط من يناير/كانون الثاني 2012 حتى يناير/كانون الثاني 2020 وذلك بفضل الهجرة، لكن بعد عام 2020 و2021 لم يعد معدل المهاجرين مساعدً إيجابيًّا في مقاومة الهبوط الديمغرافي في أوروبا(12). ففي عام 2022، استمرت الوفيات في تجاوز عدد المواليد الأحياء في الاتحاد الأوروبي، مما عمَّق الفجوة الديمغرافية؛ حيث فاق عدد الوفيات (5.15 مليون) عدد المواليد الأحياء (3.86 مليون) فكان معدل النمو لمواطني الاتحاد الأوروبي هو بالسالب (- 1.3 مليون) لكن بإضافة صافي الهجرة الذي بلغ 4.1 مليون مهاجر يصبح معدل نمو سكان الاتحاد الأوروبي (2.8 مليون) في عام 2022 (انظر الشكل 5). كذلك من المهم إدراك أن معدلات الهجرة ارتفعت في أوروبا بشكل عال في عام 2022 متأثرة بالحرب الروسية-الأوكرانية وبتسهيلات قدمتها دول الاتحاد الأوروبي للأوكرانيين؛ حيث بلغ عددهم بحسب تقارير اليونسكو 2.852 مليون من بداية الحرب حتى ديسمبر/كانون الأول 2022(13).

الشكل الخامس: معدل نمو سكان أوروبا بالتفريق بين المهاجرين والمواطنين 1990 – 2022
الشكل الخامس: معدل نمو سكان أوروبا بالتفريق بين المهاجرين والمواطنين 1990 – 2022

كما أن للمهاجرين تأثيرًا عاليًا في تطوير الصناعات وتشغيل المصانع، كما يسهم أيضًا المتعلمون ذوو التعليم العالي في الابتكارات بشكل إيجابي، لكن التأثير الأكبر والملاحظ في الصناعات ذات المستويات المنخفضة، بالإضافة لدورهم المحوري في الاستثمار الأجنبي المباشر والانفتاح على التجارة، فالتأثير الكلي للمهاجر الماهر هو حوالي ثلث تأثير المواطنين المهرة(14).

  1. تفكك الاتحاد الأوروبي وصعود اليمين المتطرف (تأثير سلبي)

أما التأثيرات السلبية على الاتحاد الأوروبي فتتمحور في كون المهاجرين غير الشرعيين عاملًا في دفع الدول للخروج من الاتحاد الأوروبي. فملف الهجرة غير الشرعية أحد الأسباب الرئيسية في خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. عاش المهاجرون في 32 دولة في الاتحاد الأوروبي، لكن حوالي نصفهم عاش في دولتين فقط، هما: ألمانيا وبريطانيا(15). استطاعت ألمانيا توظيف الهجرة بشكل ناجح في عجلة الإنتاج والاقتصاد بالمقارنة مع بريطانيا. لكن في بريطانيا كان الأمر مختلفًا؛ حيث وظَّف اليمين ملف المهاجرين إعلاميًّا لأجل تحقيق أهدافه بالخروج من الاتحاد الأوروبي. فقبل الاستفتاء على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي أيد 6 من كل 10 في استطلاع رأي في بريطانيا رغبتهم في تخفيض الهجرة بنسبة بلغت 62٪(16). كان الهدف من خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي هو منح بريطانيا مزيدًا من السيطرة على حدودها وتفعيل سياسات خاصة بمكافحة الهجرة. ومع ذلك لم تستطع بريطانيا حتى الآن أن تمنع الهجرة بشكل كامل.

هناك أيضًا اعتقاد منتشر بأن الهجرة تضر بالتجانس الثقافي لدول الاتحاد الأوروبي؛ حيث يرى 57٪ أنها تمثل خطورة على الثقافة في الدول الأوروبية. كما أن أكثر من ثلاثة أرباع المقيمين الأوروبيين قلقون من الهجرة غير المشروعة؛ حيث اعتبر 49٪ في أحد الاستطلاعات أن الهجرة غير الشرعية تمثل مشكلة خطيرة للغاية، بينما قال 36٪ إنها مشكلة خطيرة فقط(17)؛ أي إن الاتجاه السلبي العام يعادل 85٪. كما يتنامى عند قطاعات كبيرة من المجتمعات التي تستقبل المهاجرين غير الشرعيين أن المهاجرين يؤثرون بشكل سلبي على الاقتصاد وتُستهلك الموارد المالية للدولة من أجل مكافحتها ما يتسبب في أزمات اقتصادية(18).  

عمل اليمين المتطرف على توظيف ملف الهجرة ملفًّا إستراتيجيًّا في خطابه السياسي على نحو شعبوي. فاليمين المتطرف يجسد أسوأ ما في التقاليد الأيديولوجية الأوروبية حاليًّا. فهم يميلون نحو الأصولية القومية، والسلطوية السياسية. وتستند رسالتهم في الغالب إلى ثلاث أفكار أساسية: (1) التمجيد العرقي، (2) كراهية الأجانب ومعاداة المهاجرين، (3) الشعبوية “المناهضة للسياسة” والمناهضة للمؤسسات(19). هناك مخاوف حقيقية من تفكك الاتحاد الأوروبي بسبب صعود اليمين المتطرف في عدد من الدول الأوروبية؛ فالخطابات القومية تُعد عامل مساهم في التفكك الأوروبي، فعودة القومية في بعض الدول الأعضاء أدت إلى انهيار التعاون وإضعاف الاتحاد الأوروبي(20). كما أن قرار بريطانيا الانسحاب من الاتحاد الأوروبي المدفوع بأزمة ملف الهجرة أثار قلقًا وتساؤلات حول مستقبل الاتحاد(21).

سياسات الاتحاد الأوروبي في مواجهة الهجرة غير الشرعية

يتبنى الاتحاد الأوروبي تنفيذ مجموعة من السياسات لمواجهة الهجرة غير الشرعية. تهدف هذه السياسات إلى وضع سياسة شاملة بنهج متوازن للتعامل مع الهجرة النظامية وغير النظامية(22). تتمثل هذه السياسات في تعزيز الضوابط الحدودية، والتشجيع على عودة فعالة للمهاجرين غير الشرعيين، وتعزيز هجرة العمالة القانونية وذلك من خلال توفير طرق قانونية مشروعة للأشخاص الراغبين بالهجرة إلى الاتحاد الأوروبي(23). لكن ارتفاع معدلات الهجرة دفع الدول التي تقع في المناطق الشرقية والجنوبية مع البحر المتوسط في الاتحاد الأوروبي إلى تبني سياسات أمنية متشددة. وتتمحور سياساتها في أمرين:

  1. تشديد الرقابة على الحدود: تجلت تلك السياسة في أبشع صورها لتتحول لآلات قتل. كما تعمد خفر السواحل اليوناني إغراق قوارب المهاجرين، والذي كان آخرهم القارب الذي أغرقته عن عمد، في منتصف يونيو/حزيران 2023، بحسب رواية الناجين، والذي كان على متنه أكثر من 750 مهاجرًا بينهم 100 طفل. نجا نحو مئة شخص فقط فيما انتُشل بضع وثمانون جثة، وهو ما أثبته العديد من الحوارات الصحفية مع الناجين حيث وصف أحدهم ما قام به خفر السواحل اليوناني: “ربطوا القارب من الجانب، ثم تحرك خفر السواحل بسرعة قصوى عدة مرات، جعلت قاربنا يميل يمينًا ويسارًا قبل أن ينقلب، وبعدها قطعوا الحبل”(24). هذا الحادث ليس استثناء، بل هو سياسة تتبعها اليونان، فسبق أن خرج العديد من مقاطع الفيديو المصورة من الناجين أو من قبل فرق خفر السواحل التركية توثق تعمد السلطات اليونانية إغراق القوارب(25). تكرار تلك الحوادث يؤكد أنها سياسة ممنهجة.
  2. توطين المهاجرين في الدول المجاورة وإعادة المهاجرين للدول التي قدموا منها. مقابل تقديم بعض الامتيازات والمبالغ المالية لمساعدة الدول على تأسيس بنية تحتية لاستقبالهم أو دعمهم بخدمات صحية وتعليمية، وهو ما نجحت به حتى الآن مع تركيا؛ حيث قدم الاتحاد الأوروبي 6 مليارات يورو على أقساط متعددة كحزمة مساعدات بهدف دعم تركيا في إدارة اللاجئين داخل حدودها ومنعهم من التحرك في اتجاه أوروبا[26] ، ومع ذلك يواجه الاتحاد الأوروبي صعوبات في الوصول لاتفاقات مشابهة مع دول شمال إفريقيا؛ حيث يحاول أن يضع بنودًا مختلفة لكل دولة على حدة كتسهيل الحصول على التأشيرات، وتحسين العلاقات التجارية. كذلك تسعى بريطانيا لإرسال طالبي اللجوء إلى رواندا كوسيلة لردع المهاجرين عن الوصول إلى بريطانيا(27).

وقد رفض المغرب طلبًا من الاتحاد الأوروبي بإعادة المهاجرين الذين يصلون إلى أوروبا من المغرب خاصة الذين يصلون إلى جزر الكناري الإسبانية. ومع ذلك يعيد المغرب بالفعل إدخال نحو 15000 من المهاجرين إلى بلادهم كل عام. بالإضافة إلى ذلك، وافق المغرب، في عام 1992، على قبول رعايا الطرف الثالث من الإسبانيين في حال إعادتهم في غضون 24 ساعة. لكن بشكل عام، يعكس رفض المغرب لطلب الاتحاد الأوروبي بمكافحة الهجرة وتسويتها موقفه من الهجرة وتركيزه على تحمل كل دولة مسؤولية مواطنيها(28).

أما في تونس، فقد استطاع الاتحاد الأوروبي استغلال الأزمة الاقتصادية هناك ووقَّع مذكرة تفاهم متواضعة، في يوليو/تموز 2023، تهدف إلى مكافحة المتاجرين بالبشر وتشديد الرقابة على الحدود لوقف الهجرة مقابل تخصيص 100 مليون يورو لتونس لمساعدتها في مكافحة الهجرة(29)، والتي تبعها انتهاكات جسيمة للمهاجرين بإلقاء أكثر من 500 مهاجر بينهم أطفال في مناطق صحراوية على الحدود مع ليبيا(30). يدفع الاتحاد الأوروبي إلى تشكيل فرق عمل مشتركة مع الاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة للحد من استخدام غرب البحر الأبيض المتوسط وغرب إفريقيا مسارًا للهجرة. ومع ذلك، فإن الحكومات الإفريقية لا تتعاون مع المطالب الأوروبية(31).

خاتمة

هذه الحلول الأمنية والقمعية يمكن وصفها بسياسات قصيرة الأجل تتعامل كرد فعل وليست إستراتيجية متكاملة تهدف لحل مشكلة الهجرة من جذورها. وذلك بعد فشلها في وضع حلول وسياسات قادرة على حل المشكلة بشكل فعال من جذورها. وقد تعطي تلك السياسات الأمنية نجاحًا زائفًا يخفي فشلًا أخلاقيًّا وسياسيًّا. لماذا ستفشل؟ ببساطة لأن المهاجر يعلم تمامًا أن تلك الرحلة سيواجه فيها الموت قبل أن يتحرك. كما أن العوامل الهيكلية كالفساد والحروب والاستبداد في الدول التي يهاجر منها المهاجرون لم تتقدم في مسارات إيجابية. وهي العوامل التي تدفع المهاجر للهجرة.

إن العوامل التي تصنع بيئة طاردة للشباب الإفريقي وغير آمنة للمجتمعات الإفريقية لا تزال قائمة، بل إن دول الاتحاد الأوروبي هي أحد الأسباب الرئيسية من خلال سياساتها التي تتعاطى بها مع القارة خلال القرنين الماضيين. وعليه، إذا كان الاتحاد الأوروبي يريد حل مشكلة الهجرة بشكل جاد فعليه أن يعيد النظر في سياساته الخارجية مع دول القارة الإفريقية بداية من دعم الانقلابات العسكرية وتحفيز الأطراف المحلية على الاقتتال وحتى سرقة الموارد الطبيعية أو استغلالها على نحو غير عادل.

شادي إبراهيم – باحث بمركز سيجا بجامعة صباح الدين زعيم

المصدر: مركز الجزيرة للدراسات