تحظى استعمالات الهيدروجين في صناعة المعادن بتوصيات خبراء الطاقة والمناخ وسط البحث عن بدائل خضراء للوقود تساعد على خفض الانبعاثات وتحقيق الحياد الكربوني بحلول 2050.
ويُعَد قطاع المعادن من أكبر الصناعات المتسببة في انبعاثات ثاني أكسيد الكربون؛ إذ تصدر عمليات الصهر والتكرير الرئيسة كميات ضخمة من الانبعاثات لا تقارن بغيرها في الصناعات الأخرى؛ وفقًا لما ترصده وحدة أبحاث الطاقة بصورة دورية.
وغالبًا ما تركز مبادرات إزالة الكربون في الصناعة على قطاع الكهرباء، بوصفه أكبر قطاع متسبب في الانبعاثات الكربونية عالميًا، لكن ثمة تحولات حديثة نحو استعمالات الهيدروجين بوصفه بديلًا محتملًا للوقود الأحفوري في الصناعات المعدنية.
في هذا السياق، أصدرت شركة أبحاث الطاقة “وود ماكنزي” تقريرًا تحليلًا حول استعمالات الهيدروجين في صناعة المعادن وآثاره المحتملة في خفض انبعاثات صناعات مثل الحديد والصلب وتكرير المعادن.
وحلل التقرير -الذي اطلعت عليه وحدة أبحاث الطاقة– حالة انبعاثات النطاقين؛ الأول الانبعاثات المباشرة من إنتاج المعادن، والثاني الانبعاثات غير المباشرة مثل الصادرة عن استهلاك الكهرباء من مكافئ ثاني أكسيد الكربون.
خريطة انبعاثات إنتاج المعادن
تطلق عمليات الصهر والتكرير المنتجة للمعادن كميات كبيرة من غازات الدفيئة، ويمثل الصلب والألومنيوم والنحاس والزنك قرابة 9.5% من الانبعاثات العالمية.
وتُعَد صناعة الحديد والصلب أكبر مصدر لانبعاثات غازات الدفيئة من بين جميع المعادن؛ إذ تتسبّب وحدها في 7% من إجمالي الانبعاثات العالمية؛ ما يجعلها محط أنظار استعمالات الهيدروجين البديلة في الصناعة.
بينما يستحوذ الألومنيوم على 2% من الانبعاثات العالمية، يليه النحاس بنسبة 0.2%، ثم الزنك بنسبة أقل (0.1%)، وفقًا لبيانات رصدتها وحدة أبحاث الطاقة من تقرير وود ماكنزي.
ويظهر جانب آخر من البيانات، استحواذ عمليات إنتاج الحديد والصلب على 93% من غازات الدفيئة في صناعة المعادن والتعدين كاملة بسبب اعتمادها على الفحم في التفاعلات المعدنية.
على العكس من ذلك، تمثل عمليات إنتاج المعادن غير الحديدية 62% من الانبعاثات الناتجة عن مزيج الوقود بمحطات توليد الكهرباء أو شبكة الكهرباء المرتبطة بموقع التصنيع.
ورغم ذلك؛ فما زال أغلب الجهود العالمية لإزالة الكربون تركز على خفض انبعاثات الوقود الأحفوري الناتجة عن استهلاك الكهرباء، بينما تظل انبعاثات الصناعات غير الحديدية دون معالجة إلى حد كبير.
وتحتاج المؤسسات الدولية والوطنية إلى التركيز على هو ما أبعد من تدابير الكهرباء النظيفة، عبر نشر الابتكارات التقنية التي تعالج مزيج توليد الكهرباء الأوسع، وفقًا لتوصيات وود ماكنزي.
استعمالات الهيدروجين في الصلب والألومنيوم
تتسبّب عمليات الصهر بصناعة الحديد والصلب في 93% من انبعاثات القطاع؛ لاعتمادها على الأفران العالية والأفران القائمة على فحم الكوك غالبًا، بينما تمثل عمليات التكرير 5% من الانبعاثات.
وتشير الدراسات التي أجريت على استعمالات الهيدروجين في تشغيل الأفران العالية بدلًا من الفحم، إلى قدرات كبيرة في خفض الانبعاثات من عملية الاختزال المباشر للحديد.
كما أجريت دراسات مقارنة على استعمالات الهيدروجين في صناعة الألومنيوم بدلًا من الغاز الطبيعي، وانتهت إلى نتائج مماثلة، بحسب ما صرحت به شركة الألومنيوم النرويجية “هيدرو-Hydro” التي جربت ذلك في مصنعها بمنطقة نافارا الإسبانية.
وتتركز أغلب انبعاثات صناعة الألومنيوم في عمليات تكريره شاملة -الصهر والسبك والتحليل الكهربائي- بنسبة 78%، وفقًا لبيانات رصدتها وحدة أبحاث الطاقة من تقرير وود ماكنزي.
وتدرس مجموعة التعدين الأنغلو أسترالية “ريو تينتو-Rio Tinto”، وشركة “سوميتومو-Sumitomo”، اليابانية مقترحًا لبناء مصنع تجريبي لاستعمال الهيدروجين في تكرير الألومنيوم.
ويعتمد المقترح على استعمال محلل كهربائي بقدرة 2.5 ميغاواط بطاقة إنتاجية تزيد على 250 طنًا من الهيدروجين سنويًا، وهي تجربة يمكن أن تُمهِّد الطريق لاعتماد الهيدروجين في جميع أنحاء الصناعة إذا جاءت بنتائج مبشرة.
استعمالات الهيدروجين في النحاس والزنك
تنسب 22% من انبعاثات عمليات تعدين النحاس إلى استهلاك الغاز في عمليات التحميل والنقل، بينما تتسبب عملية الصهر في 10% من إجمالي انبعاثات الصناعة.
وتمثل عمليات استخلاص النحاس بالمذيبات أو الاستخلاص بالتحليل الكهربائي قرابة 20% من إنتاج النحاس العالمي، بينما تمثل إعادة تدوير خردة النحاس ما يقرب من ثلث السوق.
وتشير تجارب أجرتها الشركة الألمانية “أوروبيس- Aurubis”، وهي أحد الموردين العالميين لشركة “سوميتومو”، إلى نتائج إيجابية بشأن إمكان إحلال الهيدروجين محل الغاز الطبيعي في أفران الأنود، وكذلك إحلاله محل الأمونيا في أفران الكاثود.
كما تشير تجارب استعمالات الهيدروجين إلى قدرته على تشغيل عمليات تسخين النحاس بدلًا من الغاز الطبيعي، إلى جانب العمل كونه عنصر اختزال في تنظيف الخَبث (جزء من النفايات الناتجة عن الصهر) وأفران الأنود.
ويمتد الاعتماد على الهيدروجين إلى إنتاج معدن الزنك، الذي تتوزع انبعاثاته على عمليات تعدينه بنسبة 20% معظمها ينتج عن استهلاك الكهرباء في أثناء مراحل التكسير والطحن، بينما تتسبّب عملية صهر الزنك في النسبة الأكبر (80%).
وتأتي 80% من انبعاثات عملية الصهر من استهلاك الوقود الأحفوري في أثناء المعالجة المعدنية الحرارية لبقايا الزنك بوساطة التحليل الكهربائي، بينما تسهم عمليات أفران الصهر بنسبة 20%.
ويركز الخبراء على استعمالات الهيدروجين والأمونيا بدلًا من الفحم في عمليات تبخير المخلفات المحتوية على الزنك، لكن هذه الاستعمالات ما زالت تحتاج إلى تجارب واسعة النطاق للتحقق من نتائجها، وفقًا لتقرير وود ماكنزي.
وعلى كل حال، تمثل تجارب الشركات الأسترالية واليابانية والألمانية لاستعمال الهيدروجين في صناعات الحديد والصلب والألومنيوم والنحاس والزنك، علامة مضيئة يمكن البناء عليها للوصول إلى نتائج أوسع قد تسهّل عمليات تحول الطاقة في صناعة التعدين والمعادن الحديثة.
إعانات الهيدروجين تتجاوز 280 مليار دولار
تتسابق الولايات المتحدة وأوروبا في دعم مشروعات إنتاج الهيدروجين المرشّح لخلافة الوقود الأحفوري في استعمالات الصناعة والنقل والمنازل خلال العقود المقبلة.
وتضاعف حجم الإعانات المعلنة لدعم مشروعات الهيدروجين منخفض الكربون في العالم 4 مرات، خلال العامين الماضيين، لتتجاوز 280 مليار دولار بنهاية النصف الأول من 2023، وفقًا لتقديرات منصة بلومبرغ نيو إنرجي فايننس “BloombergNEF“.
واستحوذت الولايات المتحدة وحدها على 49% (137 مليار دولار) من إجمالي الدعم العالمي الموجّه للمشروعات المؤهلة خلال السنوات الـ10 المقبلة، تليها أوروبا بنسبة 27%، بينما يبدو الدعم المقدّم في منطقة آسيا والمحيط الهادئ أقل بكثير (4%).
ودخلت أفريقيا والشرق الأوسط إلى سباق إنتاج الهيدروجين -مؤخرًا- عبر إعلان مجموعة مشروعات كبرى في السعودية والإمارات وقطر وسلطنة عمان ومصر والمغرب والجزائر، بحسب ما ترصده وحدة أبحاث الطاقة بصورة دورية.
يوضح الرسم التالي -الذي أعدّته وحدة أبحاث الطاقة- خريطة الدول المرشّحة لإنتاج الهيدروجين في العالم:
رجب عز الدين
المصدر: منصة الطاقة