على الرغم من أن ليبيا لم ترتبط بأي علاقة رسمية مع إسرائيل وحافظت على موقفها المؤيد لعدالة القضية الفلسطينية ورفض التطبيع طيلة العقود الماضية، إلا أنه كانت هناك محاولات بالخفاء لتأسيس حوار وتطوير العلاقة بين الطرفين ولا سيما من طرف العقيد خليفة حفتر.
البداية كانت مع سيف الإسلام
وشهدت السنوات الأخيرة لنظام العقيد معمر القذافي أولى الاتصالات بين النظام واليهود ذوي الأصل الليبي، الذين كانوا غادروا ليبيا في عام 1976 إثر احتجاجات شعبية، ويطالب اليهود الليبيون بحقهم في العودة والتعويض عن ممتلكاتهم السابقة.
وكانت أولى ملامح تلك الاتصالات حديث لسيف الإسلام القذافي، في أحد خطاباته عام 2008 ضمن برنامجه السياسي الذي حمل مسمى “ليبيا الغد” الذي كان يهدف لتحديث نظام والده، عن استعداد النظام الليبي دفع تعويضات لليهود ذوي الأصول الليبية عن ممتلكاتهم التي فقدوها، بمن فيهم الذين غادروا إلى إسرائيل، وإمكانية عودتهم إلى ليبيا والتمتع بكافة حقوقهم المدنية.
وإثر تداول وسائل إعلام إسرائيلية أنباءً عن تلقي نائب رئيس الكنيست الإسرائيلي موشي كهلون، ذي الأصول الليبية، دعوة رسمية لزيارة ليبيا وإمكانية بحث إقامة علاقات رسمية مع إسرائيل، عاد سيف الإسلام ليؤكد في تصريحات لاحقة أن دفع التعويضات لليهود الليبيين عن ممتلكاتهم “لا يترتب عليه فتح اتصالات مع إسرائيل لإقامة علاقاته معها، وهو أمر غير وارد حالياً”.
وفي يونيو/حزيران من العام التالي لتصريحات سيف الإسلام، التقى معمر القذافي مع عدد من اليهود ذوي الأصول الليبية المقيمين في إيطاليا أثناء زيارة رسمية للعاصمة الإيطالية روما، وأسفرت عن تقديمه دعوة لهم لزيارة ليبيا.
وفي سبتمبر/أيلول 2010 استقبل القذافي عدداً من اليهود ذوي الأصول الليبية المقيمين في إيطاليا ونقل التلفزيون الرسمي مشاهد من استقبال القذافي لهم وسط هتافاتهم التي شكروا القذافي فيها على دعوته لهم.
اجتماع رودوس
بعد قيام ثورة فبراير 2011 وإزاحة القذافي عن الحكم قام رئيس الجالية اليهودية الليبية في إيطاليا، رفائيل لوزون، الذي أيد الثورة الليبية، بزيارة بنغازي عام 2012 ونشر عدداً من الصور على حسابه في فيسبوك وهو يتجول في بنغازي، لكنه تعرض لاحقاً للاعتقال من قبل جهاز أمني في إحدى مناطق غرب البلاد والتحقيق معه حول كيفية دخوله. وقبل ذلك، كانت السلطات في طرابلس أوقفت أيضاً يهودياً آخر حاول فتح معبد يهودي بالمدينة القديمة في طرابلس مغلق منذ عقود طويلة ورحلته إلى خارج البلاد.
ومنذ عام 2012 تراجع الحديث عن رغبة اليهود ذوي الأصول الليبية في العودة، وسط خشية الليبيين من صلات أولئك اليهود بالكيان الإسرائيلي.
وفي يوليو/تموز 2017 كُشف الغطاء عن أول لقاء رسمي جمع مسؤولين ليبيين بمسؤولين إسرائيليين برعاية منظمة “اتحاد يهود ليبيا”، التي تضم اليهود الليبيين من غير الاسرائيليين، في جزيرة رودوس اليونانية تحت عنوان “مؤتمر المصالحة والحوار بين يهود ليبيا والعرب”.
واتخذ الليبيون ذات الموقف الرافض إبان تصريحات لرئيس اتحاد يهود ليبيا، رفائيل لوزون، في منتصف عام 2018 بشأن رغبة حكومة الوفاق الوطني السابقة تعيين مستشارين منهم في الشأن الاقتصادي بالمجلس، ما حدا بالمجلس الرئاسي آنذاك إلى نفيها.
ومنذ ذلك الحين لم يتم الحديث عن اتصالات بين مسؤولين ليبيين وإسرائيليين حتى تفجرت، أمس الأحد، قضية لقاء وزيرة خارجية حكومة الوحدة الوطنية، نجلاء المنقوش، بنظيرها الإسرائيلي، إيلي كوهين، بروما في الأسبوع الماضي، ما حدا برئيس الحكومة الوطنية، عبد الحميد الدبيبة، لإقالتها وتأكيده على عدم علمه باتصالها بالجانب الإسرائيلي.
وفي الوقت الذي أعلنت فيه جميع المؤسسات الليبية وقادتها عن مواقفهم الرافضة والمنددة باتصال الحكومة بتل أبيب، التزم قائد مليشيات شرق البلاد، اللواء المتقاعد خليفة حفتر، الصمت على الرغم من خصومته المعلنة مع طرابلس.
سعي حفتر للدعم والسلاح
وطيلة السنوات الماضية شكل حفتر، الذي لا يتولى أي منصب شرعي، الشخصية الحاضرة والمصاحبة لأغلب الأنباء المتعلقة بمساعي إسرائيل للتدخل في الملف الليبي والبحث عن حليف لها في خارطة الصراع الليبي.
وتنوعت أغراض اتصالات حفتر بإسرائيل طيلة السنوات الماضية ابتداء من الدعم العسكري ووصولاً للدعم الدبلوماسي وتعزيز موقعه بالنسبة للقوى الإقليمية والدولية المعنية بالملف الليبي، بالإضافة لسعيه للحصول على دعم في وجه المحاكم الأميركية التي تطالبه بالمثول أمامها على خلفية اتهامات وجهتها له أسر ليبية قُتل أبناؤها خلال حروبه في بنغازي وطرابلس.
وبحسب وسائل إعلام إسرائيلية جاءت أولى اتصالات حفتر بتل أبيب عقب إطلاقه عملية الكرامة في بنغازي، في 2014، حيث أعلنه مجلس النواب “قائداً عاماً للجيش” ورقاه لرتبة “مشير”، وكان هدف الاتصالات القيام بعملية عسكرية كبرى في ليبيا وفقاً لموقع “ديبكا” الإسرائيلي.
وأوضح الموقع، المعروف بصلاته الوثيقة بجهاز الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، في تقرير نشره في مارس/آذار 2015 أن حفتر التقى ممثلين عن الجيش والاستخبارات الإسرائيلية في العاصمة الأردنية عمان، حيث وافقت تل أبيب على تزويده بالأسلحة مقابل تعهده بتوقيع صفقات لبيع النفط.
وواصلت التقارير الإعلامية تسريب الأنباء حول لقاءات حفتر بمسؤولين من الجانب الإسرائيلي وضباط الموساد، والتي تكثفت بين عامي 2017 و2019، سعياً منه للحصول على الدعم العسكري الإسرائيلي.
وفي ديسمبر/كانون الأول 2019، أعرب وزير الخارجية في حكومة شرق البلاد، عبد الهادي الحويج، بتصريح لصحيفة معاريف الإسرائيلية، عن أمله في تطبيع العلاقات مع إسرائيل بشرط حل القضية الفلسطينية، وقال إن حكومته “ملتزمة بقرارات الجامعة العربية حيال القضية الفلسطينية، ولكنها بالتوازي تدعم أيضاً السلام الإقليمي وتحارب الإرهاب”، لكن الحويج اضطر لنفي صحة التصريحات وتكذيب الصحيفة إثر موجة انتقادات شعبية واسعة عبر مواقع التواصل ووسائل الإعلام المحلية طاولته وحكومته.
وفي الأثناء، استمرت العلاقات بين حفتر وتل أبيب بشكل سري، وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2021 قالت صحيفة “هآرتس” أن طائرة تابعة لحفتر وعلى متنها نجله صدام حطت في مطار بن غريون لساعات، حيث التقى نجل حفتر بمسؤولين إسرائيليين وناقشوا إمكانية إقامة علاقات دبلوماسية من أجل الحصول على مساعدة عسكرية إسرائيلية.
وقالت صحيفة “واشنطن فري بيكون”، في تقرير لها في إبريل/نيسان 2021، أن صدام التقى مسؤولين في المخابرات الإسرائيلية، دون أن تسمي مكان اللقاء، وناقش معهم رغبته في الترشح للانتخابات التي كان من المفترض إقامتها بنهاية العام.
وعلى الصعيد العسكري كشفت تقارير عدد من الصحف الغربية، ومن بينها تقرير لصحيفة “ميديا باغ” الفرنسية منتصف عام 2020، عن تلقي حفتر دعماً عسكرياً من إسرائيل أثناء عدوانه على العاصمة طرابلس خلال عامي 2019 و2020.
أسامة علي
المصدر: صحيفة العربي الجديد