آلاف الموقوفين في السجون والمخافر

Spread the love
image_pdfimage_print

المراقبة بدل التوقيف لتخفيف الاكتظاظ

تشهد سجون لبنان الـ24 وعشرات مراكز الاحتجاز لدى مختلف الأجهزة الأمنية اكتظاظاً غير مسبوق نتيجة ارتفاع معدلات الجريمة مع ازدياد عدد الأجانب في البلاد في السنوات العشر الأخيرة. وإذ بات من الضروري جداً معالجة هذه الأزمة وفقاً للإمكانات المتاحة، باشر بعض قضاة التحقيق اللجوء إلى النص القانوني الذي أعطاهم الحق باستبدال التوقيف في أي جريمة بالمراقبة القضائية، فهل تتمكّن المادة 111 من أصول المحاكمات الجزائية من التخفيف من أزمة الاكتظاظ؟ 

بعد إحالة ملف الموقوف نور (اسم مستعار) البالغ من العمر 17 عاماً، للمحاكمة أمام محكمة جنايات الأحداث على خلفية اتهامه بجرائم عدة، جرت محاكمته والاكتفاء بمدة توقيفه التي استمرت 16 شهراً. لكن، خلال إتمام معاملات إخراجه من السجن تبيّن أن في حقّه محضر تحقيق في جرم اتجار بالمخدرات، كان يفترض ألا يُفصل عن الملف الأساسي، وخصوصاً أنه لا توجد بحق الموقوف القاصر مذكرة توقيف بسببه. ولإمكانية إصدار قرار بتركه يجب أن يساق للاستماع لإفادته أمام قاضي التحقيق الذي أحيل أمامه الملف بمحضر منفصل بجرم مخدرات. (راجع «القوس»، 22 تموز 2023، ما في «سَوق»).

فكان قرار قاضي التحقيق كالتالي:
«نقرر وبالنظر إلى ماهية الجرم ولما ورد في التحقيق، وخلافاً لطلب النيابة العامة، الاستعاضة عن توقيف المدعى عليه بتطبيق أحكام المادة 111 أصول محاكمات جزائية وإلزامه بدفع كفالة مالية مقدارها مائتي ألف ليرة لبنانية».
إذ تنصّ المادة 111، على أن «لقاضي التحقيق، مهما كان نوع الجرم، وبعد استطلاع رأي النيابة العامة، أن يستعيض عن توقيف المدعى عليه بوضعه تحت المراقبة القضائية». وحددت آلية تطبيق هذه الاستعاضة عبر فرض شروط على الموقوف لتسهيل المراقبة القضائية بديلاً عن التوقيف.
جاء قرار قاضي التحقيق في جبل لبنان خلافاً لرأي النيابة العامة التي رفضت تطبيق المادة 111 بعد استطلاع رأيها، الأمر الذي يكفله القانون لقاضي التحقيق الذي اطلع على الملف وتبيّن أن لا علاقة للقاصر بجرم المخدرات. ولأن أصول المحاكمات الجزائية واضحة لجهة عدم إمكانية البت بطلبات إخلاء السبيل أو الترك في الجناية إلا بعد استجواب المدعى عليه، ولأن «السَوق» هو أزمة مضافة إلى أزمات السجون والموقوفين، واقتناع القاضي بأن القاصر لا علاقة له بالمحضر المحال بموجبه أمامه بجرم الاتجار بالمخدرات، قرر أن يطبّق أحكام المادة 111 من أصول المحاكمات الجزائية ليخرج القاصر من السجن في أسرع وقت ممكن. إذ إن إصدار قرار ظني في ظل الظروف التي يمر بها التقاضي في لبنان سيُبقي القاصر في التوقيف لمدة قد تتجاوز شهرين، بعد أن أنهى حكمه وباتت كل ساعة إضافية تعادل المدة التي قضاها، نتيجة الظروف السيئة للسجناء داخل السجون. (راجع «القوس»، 25 آذار 2023، «ما عاد في محل»).
إلا أن قرار النيابة العامة باستئناف قرار قاضي التحقيق أمام الهيئة الاتهامية كان دليلاً على نهج النيابات العامة بالإصرار على التوقيف من ظاهر الملف ونوع الجرم المحال فيه (مخدرات)، وليس من الأدلة والبراهين المتوفرة، و لم يلحظ تدقيق النائب العام في الملف رأي قاضي التحقيق الذي تقع عليه مسؤولية التحقيق في الدرجة الأولى.

فقد جاء في قرار النيابة العامة ما يلي:
«جانب الهيئة الاتهامية في جبل لبنان
لدى التدقيق وحيث تبيّن أن حضرة قاضي التحقيق في تاريخ 5\7\2023 قرر الاستعاضة عن توقيف المدعى عليه سنداً للمادة 111 أ. م. ج. وبالنظر إلى ما ورد في الملف ومعطيات التحقيق توجب إبقاء المدعى عليه قيد التوقيف وبالتالي إصدار مذكرة توقيف وجاهية بحقه. 
لذلك نستأنف القرار المذكور…»

ورد في قرار النائب العام الذي رفض الترك أنه «بالنظر إلى معطيات التحقيق نستأنف القرار»… علماً أن من أجرى التحقيق، كما أشرنا، هو قاضي التحقيق الذي قرر أن يترك المدعى عليه خلافاً لرأي النيابة العامة، لأنه هو من بنى قراره بناءً على معطيات الملف وليس النيابة العامة.
فالقرار برفض إخلاءات السبيل أو استرداد مذكرات التوقيف الغيابية أو الترك سنداً للمادة 111 قد لا تمر مطلقاً عبر النيابة العامة نتيجة التوجه العام لديهم.

للعدالة في النص القانوني

كم من متّهم أحيل بموجب جرائم تبيّن أن لا أدلة فيها وأنها مجرد افتراءات أو شبهة لم تصل إلى حد الإدانة بسبب غياب الدليل، فهل يصحّ أن تتعنّت النيابات العامة في هذا النهج الرافض لتطبيق المادة 111، رغم كل الأزمات التي يعانيها البلد على صعيد المؤسسات وعلى صعيد المجتمع بجميع شرائحه بما فيها عناصر قوى الأمن المولجين بتطبيق القانون. 
ألا تستدعي الأزمة الخانقة التي نمر بها بعض إجراءات الوقاية الاحترازية أو الوقائية لتخفيف الأعباء على القضاة والقوى الأمنية والمواطنين وإنهاء العديد من الملفات في المخافر، من دون إحالتها أمام القضاء وتكديسها هي وأصحابها فوق رفوف متهالكة لن تبقى صامدة طويلاً. 
من المفترض أن يتحلّى القضاة بأعلى درجات المسؤولية تجاه المجتمع وأفراده كافة، وأن تُقدّم قواعد العدل والإنصاف والإصلاح على النص القانوني، وألا يكون العقاب لأجل العقاب بل لأجل إعادة التأهيل. لأن اتخاذ قرار باحتجاز حرية إنسان من أصعب القرارات وأخطرها ولا يجوز الاستهانة باتخاذه في ظل واقع لا وجود فيه لسياسات تأهيلية وإصلاحية داخل السجون المكتظّة، وبات السجن محطة لتخريج مجرمين بجرائم أكبر (راجع صفحة 4، سجون لتطوير السلوك الإجرامي: فشل وظيفة العقوبة). 

شروط الرقابة القضائية

إلزام المدعى عليه بموجب أو أكثر من الموجبات التي يعتبرها ضرورية لإنفاذ المراقبة القضائية، منها:
أ- التزام الإقامة في مدينة أو بلدة أو قرية ومنع مبارحتها واتخاذ محل إقامة فيها.
ب- عدم التردد على محلات أو أماكن معيّنة.
ج- إيداع جواز السفر لدى قلم دائرة التحقيق وإعلام المديرية العامة للأمن العام بذلك.
د- التعهد بعدم تجاوز دائرة المراقبة وإثبات الوجود دورياً لدى مركز المراقبة.
هـ- عدم ممارسة بعض المهن التي يحظر عليه قاضي التحقيق ممارستها طوال مدة المراقبة.
و- الخضوع للفحوصات الطبية والمخبرية دورياً في خلال مدة يعيّنها قاضي التحقيق.
ز- تقديم كفالة ضامنة يعيّن مقدارها قاضي التحقيق.
لقاضي التحقيق أن يعدّل في موجبات الرقابة التي فرضها كلما رأى ذلك مناسباً.
إذا أخلّ المدعى عليه بأحد موجبات المراقبة المفروضة عليه فلقاضي التحقيق أن يقرر، بعد استطلاع رأي النيابة العامة، إصدار مذكرة توقيف في حقه ومصادرة الكفالة لمصلحة الخزينة.
(المادة 111، من القانون رقم 328/2001، «أصول المحاكمات الجزائية»). 

فداء عبد الفتاح

المصدر: ملحق القوس بصحيفة الأخبار