وسط الإنشغال الداخلي بملفات سياسية واقتصادية، تتكرّر الخروقات الأمنية المتنقلة التي لا تزال تحت السيطرة، ولكنها كانت كافية لتحريك بعض المخاوف والهواجس.
ما حصل في حي السلم داخل الضاحية الجنوبية لبيروت مساء الجمعة الماضي، أظهر انّ «تسرّب» التكفيريين إلى الداخل اللبناني لا يزال خطراً داهماً يستدعي التنبّه والحذر، وبالتالي عدم النوم على حرير تحرير الجرود من الجماعات الإرهابية في مثل هذه الأيام قبل سنوات قليلة.
وبناءً على هذه القاعدة، نفّذ الجهاز الأمني في «حزب الله» عملية دهم عاجلة لأحد الأبنية في حي السلم، بغية القبض على السوري وسام مازن دلا، الذي تبيّن انّه كان صاحب دور أساسي في عملية التفجير الإرهابي الذي استهدف منطقة السيدة زينب في دمشق خلال عاشوراء.
ولكن دلا بادر إلى القفز من الطبقة السابعة للمبنى، تفادياً لوقوعه في قبضة القوة المداهمة، ما أدّى إلى مقتله، فيما يجري التحقيق مع قريبيه السوريين اللذين كانا يأويانه.
وانتحار دلا أعطى مؤشرات إلى انّ الرجل ينطوي على خطورة أمنية من الدرجة الأولى، وانّه ربما كان يخطّط لتنفيذ هجوم ارهابي في الداخل اللبناني او انّه يملك معلومات مهمّة لا يريد الإفصاح عنها، ولو كلّفه ذلك الموت انتحاراً كما فعل.
هذا التحرّك الاستباقي لـ «حزب الله» على الأرض أتى بعد ايام من تنبيه الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله، إلى أنّه «يبدو أنّ هناك قراراً أميركياً بعودة «داعش» إلى العمل في مختلف الساحات».
والأرجح انّ تولّي الحزب بنفسه عملية الدهم إنما يعود إلى خصوصية ملف التفحير في منطقة السيدة زينب وطبيعة التنسيق بينه وبين الجهات السورية المختصة، لجهة تقّفي أثر دلا ورصد تحركاته، علماً انّ «داتا» الاتصالات ساهمت في انكشاف أمره.
ويشير المطلعون إلى انّه يجري استجواب الشخصين السوريين اللذين كانا برفقة دلا لمعرفة ما الذي كان يضمره، وهل تسلّله إلى الضاحية هو فقط لغرض الاختباء لدى من استضافه في الشقة، ام يرتبط بوجود تخطيط لأمر إجرامي ما.
إزاء هذه الوقائع، هل من خلايا إرهابية نائمة في لبنان، يمكن أن تستيقظ مجدداً على وقع محاولة تنظيم «داعش» إعادة تنشيط عملياته في أكثر من مكان؟
مصادر أمنية واسعة الاطلاع تؤكّد لـ «الجمهورية»، انّ ملف التكفيريين تحت السيطرة ويخضع لمتابعة حثيثة لدى الأجهزة المختصة، «ولكن ذلك لا ينفي على نحو كلّي وقطعي احتمال ظهور ذئاب منفردة، قد يصعب ضبطها كلها بالكامل، كون كل منها يتصرّف شخصياً وبقرار ذاتي».
وتشدّد المصادر على أنّ بنية «داعش» و»النصرة» في لبنان قد فُكّكت بعد المواجهة العسكرية التي حصلت معهما، «انما يجب الأخذ في الحسبان انّ هناك أفرادا متناثرين لا يزالون يدينون بالولاء لهما، وهم قيد الملاحقة المستمرة لدى مخابرات الجيش والأجهزة الأمنية الأخرى».
وتلفت المصادر إلى أنّ التغلغل الواسع للسوريين في الداخل بفعل النزوح، يفرض تحدّيات ميدانية مستمرة ويتطلّب اليقظة المتواصلة، مؤكّدة أن لا استرخاء او تهاون في الرصد والمراقبة.
وتكشف المصادر، انّ مخابرات الجيش أوقفت خلال الأشهر الماضية عدداً من «الدواعش» الذين سبق لهم أن شاركوا في قتال الجيش ثم تواروا عن الأنظار بعد انتهاء المعارك وتخفّوا بأشكال مختلفة.
وتوضح المصادر الأمنية انّ الموقوفين لم يكونوا في صدد تنفيذ أعمال إرهابية فورية، انما وُجدت على هواتفهم تسجيلات تثبت بقاءهم على ولائهم لـ»داعش» و»النصرة» واستمرارهم في تتبّع أنشطتهما وإصداراتهما.
وقد أوقفت مديرية المخابرات في الجيش منذ 19 / 5 / 2023 حتى تاريخه 22 شخصاً، من بينهم 11 سورياً و 6 لبنانيين وشخص فلسطيني – سوري، وجميعهم كانوا سابقاً ضالعين في تنظيمي «داعش» و»النصرة»، ومنهم من قاتل الجيش في عرسال.
وضمن الموقوفين توجد مجموعة هي الأهم، كونها لا تزال على تواصل مع بعض عناصر»داعش»، حيث تمّ توقيف أعضائها في الشمال، وتضمّ: الفلسطيني – السوري ع. خروب، والسوري ي. الجمال، واللبنانيين (س. ي) و (ع. ق)، وقد ضُبطت معهم بندقية وذخائر حربية.
وتشدّد المصادر على أن لا تساهل في ملاحقة كل من قاتل الجيش او من يستمر في التواصل مع التنظيمات الإرهابية، حتى لو لم يكن منخرطاً حالياً في أفعال جرمية، لافتة إلى انّ هناك تعاطياً جدّياً وحازماً مع هذه المسألة.
عماد مرمل
المصدر: صحيفة الجمهورية