التنافس الأميركي – الصيني… ورغبة الشرق الأوسط في التغيير

Spread the love
image_pdfimage_print

تحالفات جديدة في المنطقة في ظل سباق دولي

كان انكماش هيمنة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط أمرا لا مفر منه، بسبب الأولويات العالمية الجديدة أمام أميركا والمتمحورة حول المحيطين الهندي والهادي وأوروبا. إلا أن هذا التحول التاريخي حمل معه حالة من عدم اليقين والارتباك الاستراتيجيين، ليس لواشنطن فحسب، إنما أيضا لشركاء الولايات المتحدة الإقليميين.

وكي تتحرك واشنطن بفعالية في هذه البيئة الجديدة المتنازع عليها في الشرق الأوسط، وعلى الأخص لمواجهة تسلل الصين إلى ذلك الجزء الحيوي من العالم، فإنها تحتاج إلى وضوح في السياسة وإلى إدارة حاذقة لعلاقاتها مع شركائها الإقليميين.

لم تعد سياسة الولايات المتحدة القديمة في الشرق الأوسط مجدية لا في السراء ولا في الضراء. وهي سياسة اقتضت ولاء الشركاء العرب التام لها، وافترضت عداوتهم الجماعية لإيران. فالمصالح الاقتصادية تدفع كثيرا من القوى الإقليمية لزيادة تجارتها مع الصين وعقد مزيد من الصفقات التجارية معها، بينما ينحو النهج الدبلوماسي الجديد للشركاء الخليجيين في مسألة الأمن نحو تهدئة العلاقات مع إيران وتطبيعها.

لذلك، فالمطلوب من أميركا أن تصوغ مجموعة جديدة من قواعد اللعبة، ولا سيما في مسألة المنافسة مع الصين. كما ينبغي صياغة هذه القواعد بعناية وإيصالها، داخليا وخارجيا، على نحو فعال.

رغبة في التغيير

لقد انقضى ذلك الزمن، الذي كانت فيه واشنطن قادرة على فرض خياراتها على شركائها العرب، أو على الأقل إبلاغهم بها بصرامة. فواشنطن تفتقد الآن النفوذ الذي كان لها في المنطقة. كما أمست ثقة شركائها العرب فيها أقل، بعد أن فسروا الانسحاب الأميركي من أفغانستان وتسامحها مع العدوان الإيراني، على أنهما توجه نحو مغادرة المنطقة.

وعلى الرغم من الوجود العسكري الإقليمي الذي لا مثيل له لواشنطن، وأياً كانت مخاوفها وميولها من علاقات الشركاء العرب مع الصين، فإن عليها أن تتعامل معهم بواقعية وتواضع وشفافية.

يدرك المسؤولون الأميركيون جيداً أن مطالبة شركائهم الإقليميين بخفض مستوى علاقاتهم الاقتصادية مع الصين، أمر غير مجدٍ (فالصين مثلاً هي الشريك التجاري الأكبر للمملكة العربية السعودية). كما يدركون أن تشجيع هؤلاء الشركاء على الحد من علاقاتهم السياسية مع بكين ليست بالفكرة المناسبة. والتقارب الكبير بين الجانبين، سيفضي على الأرجح إلى مزيد من التعاون بينهما، حسب مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول.

AP
وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان آل سعود ونظيره الإيراني حسين أمير عبد اللهيان ووزير خارجية الصين تشين قانغ يتصافحون خلال اجتماع في بكين، في 6 أبريل 2003.

علاقة دفاعية أقوى

الدفاع والأمن هما المجال الرئيس الوحيد، الذي تمتلك فيه واشنطن متسعا كافيا لصياغة أجندة سياسية مع شركائها العرب، والمضي بها قدما إلى الأمام. والتحدي الذي تواجهه واشنطن- وهو تحد كبير- هو حث الشركاء العرب على تجنب التعاون العسكري مع الصين، مع الامتناع عن وعدهم بأشياء لا تستطيع واشنطن الوفاء بها، وعلى الأخص معاهدة دفاع رسمي أو التعهد بضمانات أمنية رسمية.

يمكن للولايات المتحدة أن تتفاوض مع شركائها الرئيسيين على اتفاقيات إطار استراتيجية، ذات منفعة متبادلة، لتحديد المصالح والأولويات والأهداف المشتركة. هذه الاتفاقات التي تشبه ما هو قائم بين واشنطن وأوكرانيا حالياً، ستنصب على عمليات نقل الأسلحة، وخطط التدريب والتمارين المشتركة، والمعدات الموجودة مسبقًا، وبرامج التعاون الأخرى التي تعزز التزام الولايات المتحدة وقدراتها الإقليمية.

ووفقًا لهذه الاتفاقية (أو الاتفاقيات) المحتملة، ستقوم واشنطن بما يلي:

أولاً، تسريع عمليات نقل الأسلحة. فالمعروف عن نظام المبيعات العسكرية في واشنطن أنه نظام بطيء ومرتبط بفترات استحواذ مرهقة في الولايات المتحدة، ومراجعات الكشوف الأجنبية والتحديات المستمرة لسلسلة التوريد العالمية. وإذ يُستبعد أن تتمكن واشنطن من حل هذه المشكلات سريعا، فإن استخدام سلطات مثل المرسوم الرئاسي (الذي كان حاسمًا في حالة أوكرانيا) يمكن أن يسرع عمليات النقل وسيكون مناسبا لتوفير أنظمة دفاع مهمة للشركاء الإقليميين الذين يواجهون تهديدات عاجلة من الطائرات دون طيار ومن الصواريخ.

Getty Images
طائرة بدون طيار تابعة للبحرية الأميركية تحلق فوق مياه الخليج العربي أثناء تدريبات عسكرية مشتركة بين البحرية الملكية البحرينية والأسطول الأميركي الخامس، في 26 أكتوبر 2021.

ثانياً، زيادة دوران القوات والتدريبات العسكرية المشتركة. ويمكن أيضا وضع المعدات مسبقاً والحفاظ على مواقع الطوارئ لدعم هذه الأنشطة. وهذا سيهدئ المخاوف من تخلي أميركا عن المنطقة ومن المخاوف من نقص رغبتها في مواجهة إيران. كما أن انخراط الشركاء في هذه التدريبات أثناء بناء تحالفات متعددة الأطراف وفرق العمل- التي تؤدي فيها القيادة المركزية للقوات البحرية دورا معتبرا- يعزز التزام الولايات المتحدة بالأمن الإقليمي.

ثالثا، متابعة المزيد من برامج الاختبار والتطوير والإنتاج القائمة على التعاون، التي يمكنها أن تنشط العلاقات الدفاعية وتهتم بالرغبة الخليجية المتنامية للإنتاج المحلي، مع توجيه الشركاء بعيدا عن تعاون مماثل مع الصين.

فرص محتملة لتعاون عسكري مع الصين

ومع ذلك، فإن كل هذه المكونات لعلاقة دفاعية أقوى مع الشركاء الإقليميين الرئيسيين والراغبين، ستكون غيرة متوفرة، إذا اتبع هؤلاء الشركاء مسارات العمل التالية:

أولاً، السماح للصين بإنشاء أي نوع من أنواع القواعد العسكرية أو النقاط الأمامية على أراضيها. وليس واضحا إن كانت الصين مستعدة لتخصيص مزيد من مواردها العسكرية لمنطقة بعيدة عن مجال نفوذها المباشر في آسيا، ولكن على واشنطن أن تفعل كل ما تستطيع لخنق هذه العملية في مهدها وقبل أن يشتد عودها.

ثانيا، الحصول على أنظمة السلاح الصينية الاستراتيجية، سواء عبر المبيعات أو عبر التعاون في التطوير أو في إنتاج هذه الأنظمة. وهذا يشمل الصواريخ الباليستية وصواريخ كروز والدفاع الصاروخي والطائرات المتطورة. وإذا حدث أي من هذه الحالات، فإنها ستضر بشكل كبير بقابلية العمل المشترك مع الولايات المتحدة.

ثالثا، غياب أي التزام بحماية أسرار الولايات المتحدة وتكنولوجيتها. فواشنطن توافق فقط على مبيعات أنظمة الأسلحة المصنعة بأحدث التقنيات للشركاء الإقليميين، عندما تكون الفائدة التي تعود على الولايات المتحدة تفوق على نحو مؤكد مخاطر وقوع تكنولوجيا هذه الأسلحة في الأيدي الخطأ. في حالة بيع مقاتلات “F-35” إلى الإمارات العربية المتحدة، على سبيل المثال، فإن المخاوف من المخاطر الأمنية التي يثيرها وضع تقنيات “هواوي” في شبكة الاتصالات في الإمارات العربية المتحدة قد عرّضت الصفقة في النهاية للخطر.

رابعا، التعاون مع الصين في مجال الطاقة النووية المدنية. وقد دفع غياب التقدم في المفاوضات مع أميركا، إلى اعتبار دول أخرى ومنها الصين، شركاء محتملين في تطوير قدرات دول إقليمية.

خامسا، الانضمام إلى المنظمات الأمنية التي تقودها الصين مثل منظمة شنغهاي للتعاون.

ولكل شريك من شركاء واشنطن الإقليميين حق سيادي في اتباع المسار الاستراتيجي، الذي يرى أنه أكثر فائدة لمصالحه على المدى الطويل. وليس هدف الولايات المتحدة توبيخ أحد أو تهديده، بل عليها تقديم الحجة القائمة على الفرص، كما أن عليها وبالأهمية نفسها، أن تبين بوضوح حدود تسامحها مع العلاقات الدفاعية والأمنية مع الصين. هذا أيضا حق أميركا السيادي.

ومع ذلك، فإن المصداقية والموثوقية أمران أساسيان في خطاب واشنطن. قد يدرك الشركاء الإقليميون جيداً قيمة العرض الأميركي، وتكاليف أو حدود التعاون العسكري مع الصين، إلا أن ثقتهم قليلة في رغبة واشنطن أو قدرتها على وضع ذلك قيد العمل. وهذا هو الوقت المناسب لتقديم إشارات جريئة في الشرق الأوسط، ولكن قبل القيام بأي منها، سيكون الإجماع السياسي الداخلي الأميركي أمراً مطلوباً. لكن ينبغي أن لا يعد هذا أمراً مسلماً به في بيئة شديدة الاستقطاب سياسياً ومشحونة بشدة كالتي في واشنطن.

بلال صعب – ميليسا هورفاث

المصدر: موقع المجلة