«طالبان» الأفغانية تواجه انقسامات آيديولوجية وقبلية وإقليمية حادة

Spread the love
image_pdfimage_print

الملا هبة الله يواجه تحدياً لسلطته من داخل التنظيم

مع احتدام الصراع على السلطة داخل التنظيم الفضفاض المسمى «طالبان الأفغانية» بعد أن تولت الجماعة المسلحة السلطة في كابل في أغسطس (آب) 2021، باتت القصص والشائعات والتقارير غير المؤكدة حول الانقسامات العميقة التي تضرب «طالبان» في العمق روتين حياة يومياً للشعب الأفغاني.

الخبراء المعنيون بالشأن الأفغاني – خاصة من أبناء أفغانستان ـ والصحافيون والمراقبون بات الآن بجعبتهم الكثير من القصص حول الانقسامات داخل تنظيمات أفغانية. ومع ذلك، لم يرد ولو تقرير واحد مؤكد عن القتال المسلح بين فصائل مختلفة من «طالبان».

ظهرت بعض هذه الاختلافات بين القيادة العليا لـ«طالبان» عندما أدلى زعيم فصيل «حقاني» التابع لـ«طالبان»، سراج الدين حقاني، بتعليقات في فبراير (شباط) 2023 انتقد فيها الوضع في أفغانستان خلال مناسبة عامة، السبت الماضي، وسط حديث أن الملا هبة الله زعيم الإمارة يواجه تحدياً لسلطته من داخل التنظيم.

الملا هبة الله أخوند زاده… يُعرف عن حاكم الحركة أنه غير محب للظهور الإعلامي ونشرت له «طالبان» صورة واحدة فقط

وبحسب حقاني في كلمته التي ألقاها خلال التجمع، فإن «الوضع الحالي لا يطاق. إذا تطورت الأوضاع العامة للأسوأ وباتت غير مستقرة، فمن واجبنا علاج الأمر».

رجل أمن «طالبان» لال محمد يقرأ كتاباً دينياً في مقر الشرطة في منطقة داند بإقليم قندهار… بالنسبة للال محمد البالغ من العمر 23 عاماً جلبت عودة «طالبان» إلى السلطة مزيداً من الاستقرار الاقتصادي (أ.ف.ب)

فسر الخبراء الأفغان هذا البيان على خلفية تطورين متوازيين كانا يحدثان في المجتمع الأفغاني في المرحلة الحالية: أولاً، المجتمع الأفغاني يعاني من أزمات إنسانية واقتصادية حرمت الملايين من الدعم اللازم لإنقاذ حياة الناس.

مقاتل من «طالبان» يقف في حراسة في حين تنتظر النساء تسلّم حصص غذائية توزعها مجموعة مساعدات إنسانية في كابل بأفغانستان يوم الثلاثاء 23 مايو 2023 (أ.ب)

ثانياً، جاء بيان حقاني في أعقاب توجيهات صارمة للغاية أصدرها المرشد الأعلى لـ«طالبان» تستهدف النساء «ويجري النظر إلى هذه التوجيهات باعتبارها سبباً إضافياً للعزلة المفروضة على البلاد عن المجتمع الدولي».

تحضر الفتيات الفصل في اليوم الأول من العام الدراسي الجديد في كابل السبت 25 مارس 2023… بدأت السنة التعليمية الأفغانية الجديدة لكن المدرسة الثانوية ظلت مغلقة أمام الفتيات للعام الثاني بعد عودة «طالبان» إلى السلطة في 2021 (أ.ب)

في توقيت متزامن تقريباً، قال وزير الدفاع بالإنابة الملا محمد يعقوب، ابن مؤسس الحركة الملا عمر، إن «طالبان» يجب أن تستمع دائماً إلى «المطالب المشروعة للشعب». وأدلى العديد من قادة «طالبان» الذين كانوا جزءاً من الحكومة بتصريحات مماثلة، ما شكل تحدياً مباشراً لسلطة المرشد الأعلى لـ«طالبان» هبة الله أخوند زاده الذي لطالما أصدر هذه المراسيم المتشددة وكان يقود مجموعة من قادة «طالبان» المتشددين الذين يعارضون أي نوع من الاتصال المنتظم مع الغرب.

وأضاف محمد يعقوب قائلاً: «يمكن أن تؤدي الخلافات المستمرة والصراعات على السلطة إلى المزيد من الانقسامات، مما يجعل ما يسمى بالإمارة الإسلامية غير قادرة حتى على التصرف في مسائل الحكم وتقديم الخدمات للشعب الأفغاني. وبالمثل، فإن قدرة (طالبان) على الحفاظ على نفوذها والتفاوض مع الجهات الفاعلة الخارجية قد تتعرض للخطر أيضاً، مما يزيد من تعقيد المشهد السياسي المتوتر بالفعل في أفغانستان».

مقاتلو «طالبان» يحرسون خارج مركز للشرطة في كابل (د.ب.أ)

ويرى الكثير من خبراء الشؤون الأفغانية أن الخلافات والصراعات بين مختلف فصائل «طالبان» الأفغانية ليست بالجديدة؛ إذ قال العديد من الخبراء في تصريحات لصحيفة «الشرق الأوسط» إنه منذ وفاة الزعيم المؤسس لحركة «طالبان» الأفغانية، الملا عمر، ظل القتال بين فصائل «طالبان» أمراً اعتيادياً.

أعضاء وزارة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يحضرون مؤتمراً صحافياً يخاطبه نائب وزيرها سعيد أحمد في كابل في 14 أغسطس 2023 (أ.ف.ب)

وبحسب الخبير الأفغاني المقيم في إسلام آباد، أحمد علي، فإن «خطوط الصدع الداخلية المتجذرة في الآيديولوجيا والولاءات القبلية والانتماءات الإقليمية والسيطرة على الموارد، بما في ذلك تجارة المخدرات وما إلى ذلك، جميعها تنافت مع ما يشاع عن (طالبان) أنها تنظيم موحد ومتماسك». وأضاف قائلاً: «داخل تلك الإمارة، يصطدم المعتدلون نسبياً مع المتشددين في معركة مستمرة لكسب نفوذ أكبر فيما يخص شؤون الدولة، بما في ذلك المسار العام للتنظيم. وبينما يدعو البعض إلى تغيير نهج الحكم بأسلوب يتسم ببعض الاعتدال، يلتزم آخرون بالتفسير الصارم للمبادئ الإسلامية، غير راغبين في التراجع عن موقفهم المتشدد؛ ولذلك فإن التواصل بين هذه الفصائل لا يزال مفقوداً».

وتكشف الصراعات الداخلية بين «طالبان» الأفغانية عن الديناميكية المعقدة والصراعات على السلطة داخل الجماعة. وهذه الصراعات تنشأ كنتاج لمجموعة متنوعة من العوامل، بما في ذلك الاختلافات الآيديولوجية، والتنافسات الإقليمية والقبلية، والطموحات الشخصية للقادة الكبار، والنهج المتباين للحكم وعلاقات الدولة الخارجية.

عمر فاروق

المصدر: صحيفة الشرق الأوسط