بين يوم وآخر يتداول العراقيون صوراً ولقطات فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي، تُظهر المشي وسط نهر دجلة في مناطق بغداد وجنوبي البلاد، إلى جانب ظهور جزر وسط النهر المعروف عراقياً بكونه أكثر عمقاً وغزارة من نهر الفرات.
ولا تواجه السلطات العراقية في بغداد تلك المشاهد والجدل المحتدم حول وضع البلاد المائي بأي تعليقات مطمئنة، باستثناء تعهدات بضمان مياه الشرب التي يطلقها المسؤولون المحليون في مناطق جنوب العراق التي تُعتبر الأكثر تضرراً من الشح المائي الحالي.
وتقول وزارة الموارد المائية العراقية، إنّ العراق بات لديه فراغ في مخزون المياه يقدر بنحو 80 مليار متر مكعب، في إشارة إلى استنفاد أغلب المخزون الاستراتيجي من المياه الموجودة في البحيرات والسدود.
وقالت، في إيجاز صحافي، الأسبوع الماضي، إنّ مشكلة العراق في الإيرادات مرتبطة بسياسات الدول (تركيا وإيران) ومعدلات تساقط الأمطار والاحتباس الحراري، مضيفة أنّ ما يردنا من تركيا وسورية وإيران أقل من 70% مما كان العراق يتلقاه سابقاً.
وشهدت المنصات الرقمية تداولاً لصور ومشاهد فيديو مفزعة لما وصل له حال نهر دجلة من جفاف، حيث تمكن مواطنون من عبور النهر سيراً على الأقدام، بعدما كانوا يحتاجون إلى جسور وقوارب للعبور، وبدا قاع النهر واضحاً، خاصة من جهة جسر الجمهورية الذي يربط بين جانبي العاصمة بغداد وفي المناطق الأخرى من المحافظات الجنوبية والجنوبية الشرقية من البلاد.
المتحدث الرسمي باسم وزارة الموارد المائية العراقية علي راضي قال إنّ “الانخفاض الحاصل في دجلة والفرات عائد إلى قلة الإيرادات المائية الواردة من دول المنبع وخصوصاً تركيا”، مضيفاً لـ”العربي الجديد”، أنّ “أساليب الري الخاطئة أدت أيضاً إلى زيادة حدة هذا النقص. عدم التزام المزارعين للمساحات الزراعية المقررة وفق الخطة الموضوعة من السلطات. والفلاحون بدأوا بالتجاوز وزراعة مساحات شاسعة قد تصل إلى أضعاف ما هو مخطط له للخطة الزراعية”.
وأوضح أنّ “تركيا أطلقت فعلياً خطة زيادة كميات المياه المتدفقة إلى العراق عبر نهر دجلة بواقع الضعفين، في شهر إبريل/ نيسان الماضي تنفيذاً للاتفاق مع الجانب التركي، وبواقع 1500 متر مكعب في الثانية، وكان الاتفاق سارياً لمدة شهر واحد قابل للتمديد، خصوصاً أن الحوارات والنقاشات ما بين بغداد وأنقرة مستمرة لحسم هذا الملف بشكل عادل ونهائي”.
من جانبه، أرجع أستاذ هندسة الموارد المائية، نظير الانصاري، الأزمة الحالية إلى سياسة إيران وتركيا المائية في السنوات الأخيرة، مؤكداً أنّ “إيران قطعت روافد المياه التي تغذي نهر دجلة ابتداءً من الزاب الأسفل في كركوك مروراً بنهر سيروان في ديالى وصولاً إلى وسط وجنوب العراق”.
وعزا الأنصاري في حديث مع “العربي الجديد”، التدهور الحالي في العراق إلى “تغييرات المناخ ونقص هطول الأمطار في المنطقة، وزيادة الاستخدام غير المستدام للمياه، وسوء إدارة ملف المياه داخل العراق”، واصفاً هذه الفترة التي يعيشها العراق بسبب الجفاف بأنها “تعيسة”.
وأكد أنّ “إيران لا تتجاوب إطلاقاً، مشترطة العودة إلى اتفاقية الجزائر (1975) في حل مشكلة المياه، وأما تركيا فهناك مفاوضات، ولكن إلى الآن لا يوجد اتفاق رسمي، والدولتان استغلتا الوضع العراقي بعد الغزو الأميركي (2003)، وأنشأتا مشاريع عديدة وسدوداً ضخمة أثّرت على حصة العراق من المياه”.
وزارتا الزراعة والبيئة في العراق حذرتا من أنّ البلاد تفقد سنوياً 100 ألف دونم، جراء التصحر الناجم عن الجفاف، كما أن أزمة المياه تسببت بانخفاض الأراضي الزراعية إلى 50% وفق تصريحات رسمية خلال هذه السنة.
ووفقاً لوزارة الزراعة العراقية، فإن مساحة الأراضي المزروعة بالقمح والشعير خلال عام 2022 تراجعت من 11 مليوناً و600 ألف دونم إلى أقل من 7 ملايين دونم، وهي أقل نسبة زراعة للمحصولين منذ سنوات طويلة.
وبحسب وزارة الزراعة العراقية، فإنّ العراق خسر نحو مليوني دونم من الغطاء النباتي، خلال الأعوام العشرة الماضية.
وقال الخبير الزراعي تحسين الموسوي لـ”العربي الجديد”، إنّ “دول المنبع استغلت ظروف العراق بعد عام 2003، حيث أنشأت تركيا وإيران السدود والخزانات المائية دون الرجوع إلى الجانب العراقي”.
وذكر الموسوي أنّ الواردات المائية الواصلة إلى العراق كانت تصل إلى نهر دجلة بحدود 40 إلى 50 مليار متر مكعب سنوياً، وإلى نهر الفرات كان يصل 30 مليار مكعب سنوياً، وكان هناك نهر الكارون والكرخة والزاب الأعلى والزاب الأسفل حتى انخفضت هذه الإيرادات إلى 10 مليارات متر مكعب على حوض الفرات، وبحدود 20 مليار متر مكعب على حوض دجلة.
أضاف الموسوي أنّ “هناك تحالفاً ثلاثياً خطيراً أدخل العراق بموقف صعب؛ الأول سياسات دول المنبع لنهر دجلة والفرات، الثاني التغير المناخي الذي يدخل العراق من ضمن خمس دول عالمياً والثالث إقليمياً، والتحالف الثالث، الأمن الغذائي الذي هدد العالم بأكمله”، محذراً من “هجرة سكانية وخسائر ضخمة في الثروة الحيوانية، وفقدان التنوع الأحيائي، ولفظ الثروة السمكية أنفاسها الأخيرة في العراق”، معتبراً أنّ “قضية تأمين مياه الشرب ستكون في حالة صعبة أيضاً”.
أستاذ العلاقات الدولية في جامعة إسطنبول أحمد أويصال، قال إنّ العراق يعتمد على طرق بدائية ولا يستفيد من المياه العذبة، بل إنها تذهب هدراً إلى الخليج.
وأضاف أويصال لـ”العربي الجديد”، أنّ تركيا لم تتنصل من اتفاقياتها، بل منحت الحكومة العراقية في العام 2010، عدداً من القروض والمساعدات، من أجل أن تقوم الحكومة العراقية بتغيير البنية التحتية المتهالكة، وأبدت أنقرة استعدادها للمساعدة لتوفير الفاقد من المياه.
وبحسب أويصال، فإنّ العراق حصل على القروض ولم يغير أي شيء، ومنذ ما يقارب 3 أعوام ذهب مستشار الرئيس رجب طيب أردوغان إلى العراق وطلب الجلوس إلى الطاولة لمناقشة ملف المياه، لكن لم يتقدم أي عراقي للحديث في هذا الموضوع.
وأوضح أستاذ العلاقات الدولية أنّ السدود التي تم تشييدها في السنوات الأخيرة في تركيا، هي لتوليد الطاقة الكهربائية، ولتخزين المياه للزراعة، مضيفاً أنّ تركيا في عهد التغير المناخي والبيئي، تعمل على تقنيات حديثة لاستخدام المياه بشكل صحيح واقتصادي مستخدمةً نظام التقطير، إذ تعاني تركيا من التغيير المناخي والجفاف أيضاً.
مروة السوادي
المصدر: صحيفة العربي الجديد