تفجرت الأوضاع مرة أخرى في إثيوبيا، هذه المرة في عدة مدن بإقليم أمهرة “شمال غرب” المحاذي للسودان، إذ اندلع قتال عنيف بين الجيش الإثيوبي ومليشيا فانو التي كانت أبرز حلفائه، إذ ساندته – إلى جانب الجيش الإريتري – في الحرب الدموية على إقليم تيغراي المجاور (2020 – 2022).
تسبب القتال العنيف بين الجيش ومليشيا فانو في قيام شركة الخطوط الجوية الإثيوبية بتعليق رحلاتها من العاصمة أديس أبابا إلى 3 مدن في إقليم أمهرة هي: قوندر وديسي ولاليبيا، جدير بالذكر أن مقاتلي فانو أحكموا السيطرة على مطار المدينة التراثية الأخيرة قبل يومين.
#Ethiopia: Ethiopian Airlines cancels weekend flights to the cities of #Gonder, #Lalibela, and #Desse in #Amhara regional state.
— Addis Standard (@addisstandard) August 4, 2023
The domestic flights cancellation will affect customers who booked their flights on Saturday and Sunday to the three cities.
The Airlines said that… pic.twitter.com/bNNuR50En7
يعد إقليم أمهرة ثاني أكبر إقليم في إثيوبيا من حيث عدد السكان، إذ يقطنه نحو 32 مليون نسمة تعود أصول معظمهم إلى عرقية أمهرة، لكنه يعاني من عدم الاستقرار منذ أبريل/نيسان الماضي، عندما بدأت السلطات الفيدرالية بنزع سلاح قوات أمهرة الإقليمية كجزء من اتفاقية بريتوريا للسلام التي وقعت مع جبهة تحرير تيغراي أواخر العام الماضي، لإنهاء الصراع المدمر الذي استمر عامين في الإقليم المجاور، كما حاولت السلطات، منذ مطلع العام الحاليّ نزع سلاح مليشيا “فانو” إلا أن الأخيرة قاومت بشدة تسليم أسلحتها.
يمكن القول إن التحالف الوثيق الذي جمع بين الجيش الإثيوبي ومليشيا فانو تصدع منذ توقيع الحكومة الفيدرالية على اتفاق السلام مع الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي، فقد وجد الاتفاق رفضًا واسعًا من نخبة عرقية الأمهرة بحكم دعمهم للحرب وخشيتهم من أن يؤدي الاتفاق إلى استعادة أبناء تيغراي للمناطق التي سيطروا عليها في غرب الإقليم منذ بداية الحرب، إذ اتُهمت مليشيا فانو وقوات أمهرة بارتكاب جرائم تطهير عرقي ضد أبناء تيغراي في تلك المنطقة، وفقًا لتحقيق مشترك أجرته منظمتا العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش.
المليشيا تتمتع بدعم شعبي
ربما يكون من غير المفهوم القول إن مليشيا فانو تتمتع بدعمٍ شعبيٍ لا يستهان به في إقليم أمهرة، إذ يرى تيار القوميين الأمهرة أن فانو “مجموعات من المقاتلين يضحون بأنفسهم من أجل عرق أمهرة، وأنهم تجسيد لروح الأمهرة والمدافعين عن إثيوبيا عبر التاريخ”.
لذلك ليس من المستغرب أن يدعم المليشيا قطاع عريض من النشطاء والسياسيين والمثقفين الشباب جنبًا إلى جنب مع المسلحين من أبناء القومية الذين أغلبهم كانوا مجندين سابقين، كما تضم مليشيا فانو عناصر من المسلحين الخارجين على القانون المتمركزين في الأحراش والمناطق النائية وهم الذين يعرفون باسم “الشفتة”، وتجلّى الدعم الشعبي في تظاهرة كبيرة مناهضة للحكومة الإثيوبية شهدتها مدينة قوندر “ثاني أكبر مدينة في إقليم أمهرة” يوم الجمعة.
#Ethiopia ????????: anti-government protests have erupted in the city of #Gondar as the #ENDF is struggling to withstand the #Fano insurrection taking place across the #Amhara region. pic.twitter.com/Kl5kAGoz3N
— Thomas van Linge (@ThomasVLinge) August 4, 2023
تطورات الموقف على الأرض
تشير آخر الأنباء إلى سقوط مئات القتلى من مليشيا فانو والجيش الإثيوبي والمدنيين إثر القتال العنيف الذي اندلع يوم الخميس والجمعة الماضيين في عدة مواقع، أبرزها بالقرب من جامعة قوندر، عندما سيطر الجيش الإثيوبي في البداية على الجامعة، لكن مقاتلي فانو طردوا قوة الجيش، وقال أحد السكان لوكالة رويترز: “كانوا (عناصر فانو) يحاولون التقدم إلى وسط المدينة، لكنهم لم يتمكنوا من ذلك”، وقال آخر وهو مسؤول محلي، إن الجيش انسحب من الجامعة لكنه لم يذكر السبب، وكلاهما طلب عدم ذكر اسمه لأسباب أمنية.
Hundreds of ENDF soldiers, Fano fighters & civilians were killed in yesterday's fighting in #Gonder city. Dead bodies of ENDF soldiers lying in streets. No one burying them. Gonder university teachers & students killed too. Fano in control of most parts but
— Sajid Nadeem (@sajid_nadeem78) August 4, 2023
قال أيضًا عضو في مليشيا فانو، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته، إن رجال الميليشيا كانوا يحاولون تطويق بحر دار عاصمة الإقليم، موضحًا أنهم استولوا على بلدة مراوي الواقعة على بعد 30 كيلومترًا جنوبي بحر دار.
في أماكن أخرى من إقليم أمهرة، قال سكان للوكالة إن المحتجين أغلقوا الطرق، ونصبت جماعة “فانو” المسلحة كمينًا لوحدات عسكرية، بينما فر مسؤولون حكوميون من عدة بلدات.
وفي قوبو، استخدم الجيش نيران المدفعية ضد “فانو” ما ألحق أضرارًا بالمنازل، على حد قول اثنين من السكان، ووفقًا لمصادر على الأرض فإن المدن التي تتحكم فيها مجموعة فانو هي: ديبري تابور وديبري ماركوس، بالإضافة إلى الوجهة السياحية الشهيرة لاليبيلا.
جدير بالذكر أن الحكومة الفيدرالية الإثيوبية قامت الخميس بقطع خدمة الإنترنت عن أجزاء واسعة من إقليم أمهرة، كما أصدرت يوم الجمعة قرارًا بإعلان حالة الطوارئ في كل أنحاء الإقليم بعد أيام من الاشتباكات التي تحولت إلى أزمة أمنية كبيرة.
كما جاء في بيان أصدره مكتب رئيس الوزراء آبي أحمد “لقد أصبح من الضروري إعلان حالة الطوارئ لأن وضعًا طرأ وبات من الصعب السيطرة على هذه الحركة غير المقبولة بموجب القانون الحاليّ”.
وصدر قرار إعلان حالة الطوارئ في أمهرة بعد أن أصدر حاكمها بيانًا الخميس قال فيه إن الحكومة الإقليمية لم تعد قادرة على التصدي للمليشيا، مطالبًا الحكومة الاتحادية بالتدخل لاستعادة السلام.
Breaking: #Amhara regional state government has requested the federal government to intervene in the region to "implement the necessary legal framework" in order to control deteriorating security crisis in the region.
— Addis Standard (@addisstandard) August 3, 2023
Developing story…. pic.twitter.com/CFm2MyNPhe
سودانيون عالقون في إقليم أمهرة
للحروب والاشتباكات عدة أوجه للمآسي، إذ وجد مئات السودانيين الفارين من لهيب الحرب أنفسهم عالقين مرة في مدينة قوندر الإثيوبية بسبب المواجهات العسكرية بين الجيش الإثيوبي ومليشيات فانو منذ يوم الخميس الماضي.
كما عَلِق عدد آخر من السودانيين والأجانب في المعبر الحدودي بين القلابات السودانية والمتمة الإثيوبية بعد أن أكملوا إجراءات الفحص الأمني والتأشيرة قبل أن تقوم السلطات السودانية في مدينة القضارف بتعليق إجراءات العبور إلى المتمة الإثيوبية لحين انجلاء الموقف.
“نون بوست” تحدث إلى زينب إدريس وهي اختصاصية أطفال سودانية وجدت نفسها محاصرة في مدينة قوندر الإثيوبية بسبب توقف حركة الطيران والمواصلات، وقدّرت زينب أعداد العالقين بالمئات من بينهم أسر وأطفال كلهم ينتظرون استئناف حركة الطيران الداخلي إلى العاصمة أديس أبابا بعد أن علقتها السلطات الإثيوبية حتى اليوم الأحد بسبب الاضطرابات الأمنية.
أوضحت أنها وصلت إلى قوندر يوم الثلاثاء من المتمة، لافتة إلى أن الجيش الإثيوبي قام بتأمين المركبات التي تقل القادمين من السودان إلى أن وصلت إلى مدينة قوندر، وقالت إن حركة السير كانت طبيعية حتى نهار الأربعاء الذي شهد وصول فوج آخر من السودانيين، قبل أن تتدهور الأوضاع بسرعة مساء اليوم نفسه عندما تم إغلاق الطرق داخل المدينة وكذلك المطار حيث يستمر الإغلاق حتى اليوم “السبت”.
وأضافت “هناك مناطق في المدينة انقطع عنها التيار الكهربائي ما تسبب في مشكلات بالتواصل بسبب قطع السلطات لبيانات الإنترنت وقصرها فقط على خدمة الإنترنت اللاسلكي “الواي فاي”.
ناشدت اختصاصية طب الأطفال السلطات السودانية والإثيوبية للعمل على سرعة إجلاء السودانيين إلى العاصمة أديس أبابا، لافتةً إلى أنه كان من المفترض أن تغادر الجمعة إلى أديس أبابا لإكمال إجراءات الحصول على فيزا دخول للمملكة العربية السعودية من سفارتها في أديس بابا، وقالت إن العديد من العائلات نفد ما بحوزتها من مال وتقطّعت بها السبل بسبب أنها لم تكن تتوقع أن تعلق في إثيوبيا من جديد.
عودة إلى حادثة مقتل حاكم أمهرة عام 2019
لا يمكن تحليل الاشتباكات الحاليّة في إقليم أمهرة بعيدًا عن الأحداث المفاجئة التي اندلعت في يونيو/حزيران عام 2019 في بحر دار، عاصمة أمهرة، إذ شكلت تلك الأحداث نقطة تحول في العلاقة بين رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد وشعب الأمهرة، حيث أسفر الحادث المأساوي عن اغتيال حاكم الإقليم أمباتشاو مكونين وأربعة من مساعديه، بمن فيهم الجنرال أسامينيو سيغي، الذي كان مسؤولًا عن الأمن.
أثارت الروايات المتضاربة عن عمليات القتل الغامضة تلك شكوكًا عميقة، تسببت في توتر العلاقات بين الحكومة المركزية ومنطقة أمهرة، حتى إن تحالف الجانبان بشكلٍ مؤقتٍ أواخر عام 2020 لشن الحرب على تيغراي.
منذ فترة، يعتقد عدد من قيادات قومية الأمهرة أن الحكومة الإثيوبية الحاليّة باتت تستهدف عرقهم، ويشيرون إلى أن هناك تدميرًا ممنهجًا للأراضي والشركات غير المملوكة لقومية الأورومو في مدينة “شقّر” التي يجري بناؤها حاليًّا بالقرب من العاصمة أديس أبابا.
جدير بالذكر أن لجنة حقوق الإنسان الإثيوبية، أكدت في تقرير لها صحة التدمير الانتقائي، حيث ذكرت أنه تم تعمد تدمير منازل بعض الجماعات العرقية، في حين لم يتم استهداف منازل مجموعات عرقية أخرى.
أخيرًا، الرهان على انتصار عسكري سريع للجيش الإثيوبي على مليشيا فانو لا يبدو أنه حل قابل للتصور، خاصة في ظل التأييد الواسع الذي تجده المجموعة في الإقليم.
قال هينوك وهو أكاديمي إثيوبي يعمل في إحدى الجامعات الخاصة في إفادة مقتضبة لـ”نون بوست” إن الكثير من عناصر قوة الشرطة الخاصة بإقليم أمهرا “ليوهايلي” انضمت إلى مليشيا فانو بسبب المخاوف من استهداف قوميتهم إذا تم نزع سلاح المليشيا، مشيرًا إلى أن الحل الأنسب للأزمة يجب أن يكون عن طريق الحوار وأن يتم مخاطبة سكان الإقليم لأجل تهدئة مخاوفهم.
وبشكل عام، ليس من مصلحة المنطقة اندلاع صراع طويل الأمد في إثيوبيا، يكفي أن إقليم تيغراي لم يتعاف بعد من الصراع الدموي الذي استمر لمدة عامين، كما يشهد السودان المجاور حربًا وحشيةً أخرى منذ أكثر من 100 يوم من دون أي بوادر للحسم أو حل تفاوضي.
محمد مصطفى جامع
المصدر: موقع نون بوست