لماذا تجاورت الأعلام الجزائرية والروسية على أراضي النيجر؟

Spread the love
image_pdfimage_print

في الوقت الذي كان فيه العلم الجزائري يرفرف بجوار العلم الروسي في مظاهرة حاشدة في النيجر، وِجهتها السفارة الفرنسية، لإسقاط لافتتها، كان الجيش الجزائري يرفع الأعلام في بلاده احتفالاً بعيده الوطني الذي يقام كل عام في الرابع من آب/ أغسطس.

في خلفية المشهد، تظهر صورة قائد أركان الجيش الجزائري الفريق شنقريحة، في أثناء زيارته الأخيرة إلى روسيا، والتي صرّح فيها قائلاً: “إن الشعب الجزائري يقدّر المساعدات التي تقدّمها روسيا للجيش الجزائري”، في إشارة إلى أن موسكو هي الممول الأول لتسليح الجيش الجزائري.

مخاوف الجميع من النيجر

أثار الانقلاب الأخير في النيجر، والذي أطاح بالرئيس محمد بازوم على يد الجنرال عبد الرحمن تياني، مخاوف عواصم عدة، من أبرزها الجزائر الجارة الغربية للنيجر.

مخاوف الجزائر تجلّت في نقطتين بارزتين، هما خوفها من أن تقود اضطرابات النيجر إلى موجات جديدة من المهاجرين غير الشرعيين إلى أراضيها، فضلاً عن خوفها من انعكاس تلك الاضطرابات على اتفاق شركة “سوناطراك” الجزائرية وحكومة النيجر، للتنقيب عن النفط شمال البلاد.

وعلى الجانب الآخر من البحر المتوسط، كان الموقف الفرنسي داعماً للرئيس بازوم، المنقلَب عليه، وتجلّى بوضوح عبر إجراءات عقابية عدة ضد النيجر تمثلت في تعليق جميع المساعدات التنموية التي تقدّمها الأولى للأخيرة، إلى حين العودة إلى النظام الدستوري.

موقف فرنسا هذا، ردّ عليه قادة الانقلاب بإلغاء اتفاقيات التعاون العسكري معها.

هل ترث روسيا فرنسا بمساعدة الجزائر؟

التقارب الروسي الجزائري، يقلق الجانب الفرنسي بشكل متزايد، وما يحدث في النيجر زاد من حدة التوتر بين باريس والجزائر. فبعد خروج القوات الفرنسية من مالي، وانتقالها إلى النيجر، إثر تحالف المجلس العسكري المالي مع روسيا، تراجع الدور الفرنسي في بوركينا فاسو وجمهورية إفريقيا الوسطى، لصالح النفوذ الروسي.

وها هي النيجر تشرف حبتها على الانفراط من العقد الفرنسي، ويزيد الأمر حدةً ما تعدّه باريس دعماً جزائرياً للمخطط الروسي لوراثة فرنسا في إفريقيا.

ثم تأتي زيارة قائد أركان الجيش الجزائري إلى روسيا، وتوقيعه اتفاقات بالجملة على تعاون عسكري وتعزيز للجيش الجزائري، ليزيدا الاحتقان مع باريس، وتشتعل الحرب الكلامية والإعلامية أكثر فأكثر.

قناة “فرانس 24″… حثالة

الصراع المصحوب بالمخاوف المتبادلة بين الجزائر وفرنسا على أراضي النيجر، أتى مباشرةً بعد أزمة إعلامية كبيرة وغير مسبوقة بين البلدين، بعيد إصدار وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية بياناً وصفت فيه قناة “فرانس 24” بالحثالة، رداً على تغطيتها لأحداث حرائق الجزائر الأخيرة.

بيان وكالة الأنباء الجزائرية -والذي كاد أن يقود إلى أزمة دبلوماسية- اتّهم القناة بتعمّد إثارة القلاقل في الجزائر في أثناء تغطيتها للحرائق المهولة التي شهدتها مؤخراً، عبر التركيز على منطقتَي بجاية والبويرة (اللتين تنتميان إلى منطقة القبائل)، لأغراض غير مفهومة على حد تعبير الإعلامي الجزائري سمير جنان، “برغم أن الحرائق طالت في الفترة نفسها 19 ولايةً جزائريةً في وسط البلاد وشرقها. لكن الكل يعلم الوتر الذي تلعب عليه فرنسا في هذه المنطقة منذ سنوات”.

وكان بيان وكالة الأنباء الجزائرية شديد اللهجة في ردّه على التغطية الفرنسية لأحداث الحرائق، إذ وصفها بالقناة المبتذلة والشائنة التي تعمل على استهداف الجزائر، داعياً ما وصفها بـ”قناة الشرّ والفوضى والتلاعبات”، إلى أن توقف أكاذيبها المفضوحة حول الجزائر.

فرانسا تردّ

من جانبها، ردّت قناة “فرانس 24” على البيان، مؤكدةً أنها كغيرها من وسائل الإعلام تغطّي الأحداث كما وردت، وأن إطلاق استنتاجات سياسية لا أساس لها، ما هو إلا نشر لتحليلات غير عقلانية ومخالفة للمنطق السليم، كما وصفت بيان الوكالة الجزائرية بأنه تشهيري، ويحمل لغةً سخيفةً، لا سيما عند الحديث عن تغطية كوارث طبيعية مأساوية ومؤلمة، مؤكدةً أنها ستواصل من جهتها تغطية الأخبار في العالم بكل مهنية.

منظمة “الماك” الإرهابية

وقالت وكالة الأنباء الجزائرية في الرد نفسه، إن “على السادة العاملين في قناة ‘فرانس 24’ الحثالة التي تتلقى ‘الأوامر بخصوص الجزائر’ من أحد المقربين من قصر الإليزيه، والمعروف ‘بصلته’ الأكيدة مع منظمة ‘الماك’ الإرهابية، أن يتحلوا ولو بالقليل من الموضوعية في هذه الأوقات العصيبة والأليمة”. فقد قرر منذ أمد طويل دعاة الاستعمار الجديد وحماة حركة ‘ماك’ الإرهابية الذين ينشطون في قناة الدولة الفرنسية، بحسب وكالة الأنباء الرسمية في الجزائر، التظاهر بالعمى والصم إزاء الجزائر الصاعدة، كما أن المعالجة المخجلة لملف الحرائق في الجزائر تؤكد قرار السلطات الجزائرية القاضي بغلق مكاتب هذه القناة التي لا يبدو أنها ستعود قريباً إلى البلاد.

الحساسية الجزائرية من التغطية الفرنسية لأحداث الحرائق الجزائرية، لم تأتِ من فراغ، بل بُنيت على خلفية تحركات فرنسية ممتدة لدعم حركة “ماك” الانفصالية التي تطالب باستقلال منطقة القبائل عن الجزائر، وتتهم الحكومة في كل مرة بإبادة المنطقة وتهميشها، بل وصلت إلى حد تأسيس ما يُسمى بجمهورية تُسيَّر من باريس براية وطنية مختلفة تماماً عن العلم الجزائري بألوانه الثلاثة.

وهذا ما دعا الحكومة الجزائرية إلى إصدار إعلان رسمي في 2021، بإدراج حركتَي “استقلال منطقة القبائل” المعروفتين بـ”الماك” و”رشاد” الناشطتين في الخارج، على قائمة “المنظمات الإرهابية، والتعامل معهما بهذه الصفة”.

وفي اليوم نفسه استضافت قناة “فرانس 24″، فرحات مهني، الذي يترأس الحركة الانفصالية التي صنّفتها الجزائر حركةً إرهابيةً، في إستديوهاتها، وقدّمته على أنه رئيس جمهورية القبائل، وهو ما أثار غضباً عارماً في البلاد.

“قسماً”… يتوعد فرنسا

برقية وكالة الأنباء الجزائرية وفق المحلل السياسي الجزائري مبروك كاهي، “جاءت بعد ساعات من إيداع السفير الفرنسي الجديد أوراق اعتماده لدى الخارجية الجزائرية، وهذه رسالة قوية من الجزائر للتأكيد بأن مهمة هذا الأخير الدبلوماسية لن تكون على حرير مع هذه التطورات”.

وقال مبروك كاهي لرصيف22: “إن انهيار العلاقات الجزائرية الفرنسية مجدداً، جاء في أعقاب أزمة بدأت في حزيران/ يونيو الماضي، بانتقادٍ وجّهته وزيرة الخارجية الفرنسية كاثرين كولونا، إلى مقطع في النشيد الوطني الجزائري ‘قسماً’، يتوعد فرنسا على حقبة الاستعمار، وهو المقطع التي قررت الجزائر إعادته إلى النشيد بمرسوم رئاسي وقّعه الرئيس عبد المجيد تبون”.

بين حرب إعلامية تخفي بين سطورها أزمةً دبلوماسيةً، ومصالح إقليمية متضاربة، يبقى مستقبل العلاقات الجزائرية الفرنسية غامضاً، وقد يتأزم الأمر بينهما في حلقات مسلسل الخلاف بينهما القادمة، وربما يخرج من قاعات تحرير المؤسسات الإعلامية، إلى قبّتَي البرلمانين في البلدين.

رياض معزوزي

المصدر: موقع رصيف 22