أعادت أحداث مخيم عين الحلوة تسليط الضوء على الواقع المعقّد لهذا المخيم الذي تتداخل فيه حسابات متضاربة، تبدأ من الزاروب الضيّق وتنتهي عند المحاور الإقليمية.
هكذا، فإنّ المساحة الصغيرة للمخيم تبدو مزدحمة بالأجندات المتفاوتة التي لا تجد متنفساً لها الاّ عبر فوهات البنادق، المتعدّدة المرجعيات.
وعلى الرغم من كل المحاولات الفلسطينية لتنظيم الفوضى في عين الحلوة وربط النزاعات المتنقلة بين أزقته، الاّ انّ مناعته بقيت ضعيفة وساحته متفلتة، ما حوّله مسرحاً لتصفية الحسابات وتبادل الرسائل.
ومن بين المفارقات المدوية في المخيم، انّ بعض المجموعات داخله تلجأ إلى شراء السلاح في أيام السلم من جهات فلسطينية معينة، ثم لا تلبث ان تستخدمه ضّد تلك الجهات نفسها عند اندلاع المواجهات!
وسط هذه التعقيدات المتشابكة، كيف يتصرّف الجيش وما هو هامش تحرّكه على وقع أزيز الرصاص ودوي القذائف؟
رسم الجيش حدود دوره على قاعدة معيارين: منع تمدّد التوتر إلى الجوار اللبناني، وحماية مواقعه المنتشرة على تخوم المخيم.
وفور اندلاع الجولة الأخيرة من العنف، بادر الجيش الى تعزيز تواجده العسكري على مداخل عين الحلوة للحؤول دون «تسرّب» أي عناصر او أسلحة من خارجه إلى داخله، وذلك بهدف تفادي تأجيج الوضع وتأمين مسارب آمنة للمدنيين الفارين من نيران الاشتباكات.
وعقب تعرّض أحد مواقعه لاستهداف مقصود أثناء الاشتباكات، حذّر من أنّه إذا تكرّر الأمر فسيردّ بقسوة على مصادر النيران، علماً انّ المؤسسة العسكرية لا تستبعد ان يكون الغرض من اي استفزاز تتعرّض له هو السعي الى استدراجها نحو الرمال المتحرّكة في المخيم.
تجدر الإشارة إلى انّ الجيش كان على تنسيق ميداني مع القيادات الفلسطينية، ومنها قائد الأمن الوطني الفلسطيني في عين الحلوة العميد الفتحاوي أبو أشرف العرموشي، قبل مقتله، لضبط الأمور في المخيم.
وأمن المخيمات الفلسطينية حضر في اللقاء الذي جمع قبل فترة قصيرة مدير المخابرات في الجيش العميد طوني قهوجي مع مدير المخابرات الفلسطينية اللواء ماجد فرج أثناء زيارته الأخيرة لبيروت.
وكان الرجلان قد التقيا خلال اجتماع لمديري المخابرات العربية عُقد في مصر منذ مدة، حيث أبدى فرج رغبة في زيارة لبنان، وهكذا حصل.
وخلافاً للسيناريوهات التي جرى التداول بها في شأن محتوى اللقاء الذي انعقد في اليرزة، يؤكّد العارفون انّ النقاش تركّز خلاله حصراً على ضرورة تعزيز التنسيق والتعاون بين الجانبين لضبط أمن المخيمات ومكافحة مظاهر التفلّت فيها والتصدّي للمخالفات على انواعها وتسليم المرتكبين والمطلوبين إلى السلطة اللبنانية وتعزيز القوة الأمنية المشتركة داخل مخيم عين الحلوة.
ويشير المطلعون الى انّ المداولات بين قهوجي وفرج لم تتجاوز هذا الإطار، جازمين بأنّه لم تُطرح في سياقه مسألة منع حركتي «حماس» و»الجهاد الاسلامي» من إيصال اي شكل من أشكال الدعم الى الداخل الفلسطيني المحتل، كما افترض البعض.
ويؤكّد المطلعون انّ الوحدة بين الفصائل في فلسطين المحتلة تؤثر ايجاباً على علاقاتها داخل المخيمات، وانّ كل ما أُثير حول نقل رسائل اسرائيلية الى لبنان لا يمتّ الى الواقع بصلة، لافتين الى انّ الجيش يهمّه فقط أن تبقى المخيمات تحت السيطرة والنظر لحماية الاستقرار اللبناني والأمن الفلسطيني على حدّ سواء.
كذلك، يوضح العارفون انّ قضية نزع السلاح من المخيمات غابت عن مداولات اجتماع قهوجي – فرج.
عماد مرمل
المصدر: صحيفة الجمهورية