اتجاه لإنشاء منطقة صناعية تركية في مصر
بدأت مصر وتركيا مباحثات اقتصادية رسمية لتعميق التعاون بينهما، على وقع تقارب سياسي أنهى 10 سنوات من «التوتر في العلاقات بين البلدين»، إذ بحث وزيرا التجارة والصناعة في البلدين إمكانية «إنشاء منطقة صناعية تركية في مصر»، في خطوة يعدها مراقبون «رافعة مهمة لتعاون شامل».
والتقى (الخميس) وزير التجارة والصناعة المصري، أحمد سمير، وزير الصناعة والتكنولوجيا التركي، محمد فاتح كاجر، في إطار زيارته الحالية للعاصمة التركية أنقرة، حيث استعرض الوزيران «سبل تعزيز التعاون الصناعي المشترك لا سيما في المجالات التي تتمتع فيها مصر وتركيا بخبرات (وافرة) ومقومات مؤهلة لتحقيق طفرة على مستوى التعاون الصناعي»، وفق بيان لوزارة التجارة المصرية. ووفقاً للبيان، فقد تناول اللقاء بين الوزيرين المصري والتركي «إمكانية إنشاء منطقة صناعية تركية في مصر، وتبادل الخبرات والتكنولوجيات في بعض الصناعات التي تسعى مصر لتوطينها مثل صناعة السيارات وصناعاتها الغذائية».
وأوضح الوزير سمير أنه بحث مع الجانب التركي إمكانية وضع خطة مشتركة حتى يونيو (حزيران) 2024 للفرص والقطاعات والمجالات ذات الأولوية للتعاون المشترك، خاصة في قطاعات الأثاث والسجاد والصناعات الكيماوية، إلى جانب بحث إمكانية الدخول في صناعات مشتركة مع الجانب التركي في عدة مجالات.
وتفتح الزيارة، وهي الأولى لوزير تجارة مصري إلى أنقرة منذ 10 سنوات، أفقاً جديداً لتطوير العلاقات الاقتصادية، إذ يبلغ حجم الاستثمارات التركية في مصر حالياً ملياري دولار».
كما ارتفع حجم التبادل التجاري بين مصر وتركيا ليصل إلى 7.7 مليار دولار خلال عام 2022، مقابل 6.7 مليار دولار خلال 2021 (بزيادة 14 في المائة)، وفق البيانات الرسمية، الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر، بينما كانت قيمة التبادل التجاري بين البلدين عام 2019 عند حدود 5.4 مليار دولار، وفق بيانات معهد الإحصاء التركي.
واحتلت تركيا المركز الأول في قائمة أكبر الدول المستوردة من مصر خلال عام 2022، فيما جاءت في المركز الثامن كأكبر الدول المصدرة لمصر.
من جانبه، رحب وزير التجارة التركي بمقترح إنشاء مجموعة عمل مشتركة تضم مسؤولي الوزارتين للتنسيق في ما يخص الموضوعات ذات الاهتمام المشترك، وبما يسهم في تحقيق التكامل الاقتصادي بين مصر وتركيا، لافتاً إلى أن الزيارة «تفتح صفحة جديدة في العلاقات الاقتصادية بين البلدين».
وفي أواخر مايو (أيار) الماضي، قرر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ونظيره التركي رجب طيب إردوغان، البدء في ترفيع العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين. وأعلن البلدان مطلع يوليو (تموز) الماضي تسمية السفراء لدى البلدين.
ويرى حسن الشاغل، الباحث في الاقتصاد الدولي، الخبير بمركز الأناضول للدراسات، أن «العلاقات الاقتصادية ظلت بمنأى عن التوتر السياسي الذي شهدته العلاقات المصرية – التركية منذ عام 2013»، مشيراً إلى أن الإبقاء على المصالح الاقتصادية كان بمثابة «تعبير عن إمكانية استعادة العلاقات الثنائية لطبيعتها عبر بوابة الاقتصاد، وهو ما تحقق في ما بعد». وأضاف الشاغل لـ«الشرق الأوسط» أن السنوات الماضية شهدت «ارتفاعات ملموسة في معدلات التبادل التجاري، وبخطى استبقت المسار السياسي»، لافتاً أن أزمة الطاقة في أعقاب الحرب الروسية – الأوكرانية كان لها «تأثير إيجابي في اعتماد تركيا على الغاز المصري، والتسريع في وتيرة التقارب السياسي»، موضحاً أن التعاون الاقتصادي «يمكن أن يحمل انعكاسات إيجابية على البلدين، كما يدعم التقارب السياسي».
وتصدرت تركيا قائمة مستوردي الغاز الطبيعي من مصر بقيمة تبلغ 917.2 مليون دولار خلال عام 2022، وفقًا للبيانات الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر.
في السياق نفسه، يرى محسن عوض الله، الباحث المصري في الشأن التركي، أن التعاون الاقتصادي «يمكن أن يكون أسهل في تحقيق إنجازات ملموسة من (التفاهمات السياسية)»، مشيراً في هذا الشأن إلى أن البلدين حافظا على التعاون الاقتصادي في «ذروة التوتر السياسي». وأضاف عوض الله لـ«الشرق الأوسط» أن الملفات السياسية بين البلدين خصوصاً الموقف في ليبيا وفي شرق المتوسط «ربما تشهد (تعقيدات) ترتبط بمنظور كل دولة لمصالحها الأمنية والاستراتيجية، ومن ثم يُمكن إحراز تقدم بطيء فيها، على عكس الملفات الاقتصادية التي تمثل مصلحة متبادلة لكلا الطرفين»، خصوصاً في ظل اتساع الدور الذي تلعبه منظمات الأعمال في البلدين ورهان مصر على الاستثمارات التركية، وتعويل الأتراك على مصر لدخول الأسواق الأفريقية.
وكان رئيس مجلس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي، قد عقد اجتماعاً في منتصف فبراير (شباط) الماضي، مع وفد من ممثلي شركات تركية تعمل في مصر، أو ترغب في بدء استثمارات جديدة خلال المرحلة المقبلة، في أول لقاء من نوعه منذ 10 أعوام، وجرى الإعلان خلال الاجتماع عن التزام الشركات التركية بـ«ضخ استثمارات جديدة في مصر تبلغ نحو 500 مليون دولار».
وترتبط مصر وتركيا باتفاقية للتجارة الحرة وقعت عام 2005، ودخلت حيز النفاذ في 2007 بهدف تعزيز التعاون الاقتصادي بين الطرفين، وإزالة المعوقات والقيود الماثلة أمام التجارة السلعية مع توفير ظروف عادلة للمنافسة في التجارة بين الطرفين، إلى جانب خلق ظروف مواتية لزيادة وتشجيع الاستثمارات المشتركة بين الدولتين.
أسامة السعيد
امصدر: صحيفة الشرق الأوسط