خاص “الوطنية”
على هامش قمة روسيا – أفريقيا الثانية المقامة في مدينة سان بطرسبورغ الروسية، كان لموقع “الوطنية” مجموعة لقاءات وحوارات مع شخصيات ومتخصصين للوقوف على رأيهم. واحد منهم الدكتور جلال إسماعيل، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة الجزائر.
العلاقات الروسية – الأفريقية
عن تقييمه للعلاقات الروسية – الأفريقية، يقول إسماعيل إن “العلاقات الروسية – الأفريقية ليست جديدة، إنما قديمة ترجع الى مرحلة ما قبل التاريخ ومرحلة العصور الوسطى، وكذلك مرحلة النهضة، لأنه كان هناك بعض الرحلات ولا سيما من الأوراسية الى الخليج العربي، وبعدها الى أفريقيا أو المتوسط من حيث الجغرافيا التركية، وصولاً الى أفريقيا”.
يضيف إسماعيل “إذاً العلاقات ليست جديدة بل قديمة في التاريخ، إنما الجديد فيها أنها تدخل لأول مرة في عملية الباب الاقتصادي المكثف، ولا سيما أن أفريقيا تحاول الخروج من بعض التوجهات الاقتصادية التي كانت قائمة في الأساس على الاندماج في تكتلات إقليمية رأسمالية لا تخدمها. الآن القارة الأفريقية تنوع الشركاء، تتجه الى آسيا، الى الخليج، الى روسيا، الى كل الأوراسية، وتتجه الى أميركا اللاتينية”.
ويبين إسماعيل أهمية هذا الملتقى أو قمة روسيا – أفريقيا الثانية “تأتي أهمية هذا الملتقى، المنتدى الاقتصادي الروسي – الأفريقي من كونه محاولة لالتقاط الفرص التي يمكن للجانبين التنسيق فيها والتعاون فيها، ليس فقط في المجال الاقتصادي، ولكن في مجالات أخرى ثقافية وإنسانية”.
العلاقات الروسية – الجزائرية
وعن مستقبل العلاقات الروسية – الجزائرية، يقول الدكتور جلال إسماعيل “العلاقات الروسية – الجزائرية هي علاقات مميزة جداً، والتعاون بين الدولتين تعاون مميز، وينتمي كذلك الى مرحلة ما قبل الاستعمار على اعتبار أن مرحلة تحررنا من الاستعمار كان السلاح الذي يصل الثوار لمقاومة القوى الدولية يأتي عن طريق روسيا”.
ويضيف “كذلك استمرت العلاقات مميزة لأن الجزائر اختارت منذ استقلالها النموذج الاشتراكي كمحاولة لبناء الدولة الاجتماعية، وهو ما يتعارض مع النموذج الرأسمالي الذي كان يعبر آنذاك عن الكولونيالية، وذلك بعد انفتاح الجزائر على اقتصاد السوق والنظام الاقتصادي الذي يمزج بين الاشتراكية والرأسمالية إذا صح التعبير، أو ما يسمى برأسمالية الدولة”.
ويبين الدكتور جلال إسماعيل أن العلاقات الروسية – الجزائرية تجاوزت مجال التبادل العسكري الى التبادل الاقتصادي “هناك شركات جزائرية صدرت بعض المنتجات، وهي قليلة للصراحة، وهناك نوع من الشراكة في المجال النووي وذلك في شركة “سوناتراك” وأيضاً شركة “غاز برو”، وهناك التنسيق في مجال الاستثمار في البنى التحتية الكبرى”. وكذلك التعاون في المجال الزراعي، وهو تعاون واعد، وأيضاً التعاون في بعض المنشآت وبعض القطاعات التي تنتمي الى المجالات العمومية، وهو كذلك واعد”.
يرى إسماعيل أن هذا المنتدى “يفتح مجالاً أكبر لرجال الأعمال الخواص للالتقاء مع رجال الأعمال الروس، سواء في القطاع العام أو الخاص”.
الاستراتيجية الروسية أحسن
ويبين الدكتور جلال إسماعيل أن “الاستراتيجية الروسية في أفريقيا أحسن من استراتيجية الولايات المتحدة الأميركية مع القارة السمراء التي لم تكن واضحة من الأساس، لأن أميركا ركزت بشكل كبير على الشرق الأوسط، وعلى آسيا، في الوقت الذي جاء الاهتمام بأفريقيا متأخراً”.
ويعزو إسماعيل السبب في تأخر اهتمام الولايات المتحدة الأميركية بأفريقيا الى “سبب بسيط، وهو أن هناك قوى أوروبية مثل فرنسا وبريطانيا وإيطاليا وحتى إسبانيا كانت تقول أن هذه البلدان خاصة بنا، ونحن نحدد ونتعامل معها سياسياً واقتصادياً، فيما أميركا كانت مهتمة فقط بالجانب الأمني”.
يضيف “اليوم، بعد دخول أقطاب أخرى الى منظمة البريكس وخاصة الصين وروسيا، أصبحت أميركا مهتمة بهذا الجانب، وأصبحت إن صح التعبير ما تسميه التهديد الصيني – الروسي في أفريقيا. والصراحة حتى مثل هذه المصطلحات الفكرية هي خاطئة، لأن أفريقيا هي قارة تحتاج الى الجميع، و تسعى إلى الجميع”.
ويؤكد إسماعيل على أن أفريقيا “تحتاج الكثير من برامج التنمية، ولا يمكن لبلد واحد أن يستطيع أن يشمل أفريقيا بمشايع. لذا يمكن لأفريقيا أن تكون نموذجاً للتعاون بين مختلف القوى. وفي هذا الصدد، يكون الحضور الروسي مرحب، وكذلك الأميركي إذا لم يكن مقترناً بهيمة الحضور الصيني.”
ويلفت الى أمر آخر يجب التنبه له كثيراً وهو أن “العديد من الدراسات تعالج مسألة توجه أفريقيا نحو أميركا وروسيا ويغفلون أو يسقطون النقطة الأساسية، وهي أن أفريقيا هي من تحدد شروطها. الدول الأفريقية هي التي تحدد من الصديق ومن العدو، ومع من تتعامل معه بشكل مكثف أو أقل. وهذه الاعتبارات تهمل حين ترى تحليل حول الاستراتيجية الأفريقية”.
يختم الدكتور جلال إسماعيل حديثه لـ”الوطنية” بأنه “واجب علينا القول أنه يجب احترام سيادة الدول الأفريقية في عملية اختيار شركائها، وكذلك اختيار متعامليها، وأيضاً اختيار نموذجها في التربية. ومن هذا الباب يجب على الدول الأفريقية أن النقابة الأفريقية أن تتعامل مع روسيا حتى ولو كانت هناك عقوبات، فلا أحد يمكنه أن يملي علينا متى نتعامل مع روسيا، ومتى لا نتعامل معها”.