وصل الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون إلى العاصمة الصينية بكين في زيارة رسمية تستمر 4 أيام على رأس وفد مشكل من عدد كبير من الوزراء ورجال الأعمال، سيتم خلالها بحث تطوير مجالات الشراكة الاستراتيجية بين البلدين اللذين تجمعهما علاقات اقتصادية وسياسية قوية.
تعد الصين المحطة الثانية في جولة الرئيس تبون التي بدأها بقطر، حيث كان له في الدوحة مباحثات مع الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير دولة قطر، تناولت العلاقات الثنائية وسبل تعزيزها وتطويرها على مختلف الأصعدة خاصة الاقتصاد، والتجارة، والصناعة، والطاقة والتكنولوجيا، بالإضافة إلى مناقشة أبرز القضايا والمستجدات الإقليمية والدولية.
وتنقل تبون من الدوحة إلى الصين مرفوقا بنفس الوفد المكون من وزراء القطاعات الاقتصادية مثل الصناعة والتجارة والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، والشؤون الخارجية والمالية والأشغال العمومية والسكن والطاقة والمناجم وعدد من كبار المسؤولين، وهي قطاعات تدل على الأهمية الاقتصادية للزيارة.
ويراهن البلدان من خلال هذه الزيارة التي وصفها السفير الصيني في الجزائر بالتاريخية، على “إحداث نقلة نوعية جديدة في العلاقات الجزائرية-الصينية وإضفاء محتوى أكثر صلابة وأكثر تنوعا للشراكة الاستراتيجية الشاملة التي يطمح البلدان لإرسائها”، إذ يوجد بين البلدين عدة خطط للتعاون، أبرزها الخطة الخماسية الثانية للشراكة الاستراتيجية (2022-2026) والخطة التنفيذية للبناء المشترك لمبادرة الحزام والطريق وكذا الخطة الثلاثية (2022-2024) للتعاون في المجالات الرئيسية.
وتعد الصين حاليا دولة محورية بالنسبة للجزائر خاصة في مجال تطوير بنيتها التحتية والمساعدة على إقامة مصانع في قطاعات تكنولوجية تتقنها الصين من أجل تحقيق نمو خارج المحروقات. وفي هذا السياق، تبرز عدة مشاريع مهيكلة، منها إنجاز ميناء “الجزائر وسط” في ولاية تيبازة وسط البلاد وتثمين استغلال منجم الحديد بغار جبيلات بتندوف في الجنوب الغربي، واستغلال وتحويل الفوسفات ببلاد الهدبة بتبسة وواد الكبريت بسوق أهراس في أقصى الشرق، والمساعدة في تشييد المزيد من الطرق وشبكات الاتصالات.
هذه المعطيات والمشاريع، حولت الصين في العشرين سنة الأخيرة إلى أهم شريك اقتصادي وتجاري للجزائر مزيحة قوى تقليدية مثل فرنسا. وتبلغ قيمة الاستثمارات الصينية المباشرة بالبلاد نحو 10 مليارات دولار، أما التبادل التجاري بين البلدين فهو في حدود 9 مليارات دولار، كما تعد الجزائر من أوائل المنخرطين في “مبادرة الحزام والطريق” في جوان/ يونيو 2019.
وعلى الجانب الصيني، ينظر إلى الجزائر على أنها “بلد ذات إمكانيات كبيرة ومتنوعة، فهي غنية بالمعادن كالحديد والزنك والرصاص والفوسفات وغيرها من الموارد المنجمية، كما احتلت الجزائر المرتبة الـ15 عالميا في احتياطي النفط والمرتبة الـ10 عالميا في احتياطي الغاز الطبيعي”، مثلما جاء في مساهمة للسفير الصيني في الجزائر لي جيان، استبقت الزيارة، نشرها في جريدتي الخبر الجزائرية والشعب الصينية.
وكتب السفير أن هناك تصورات مشتركة بين البلدين “فالمؤتمر الوطني الـ20 للحزب الشيوعي الصيني وضع الخطوط العريضة في سبيل بناء دولة اشتراكية حديثة على نحو شامل والدفع الشامل لعملية النهضة العظيمة للأمة الصينية بالتحديث الصيني النمط، بينما تعمل الجزائر على بناء “الجزائر الجديدة” وجذب استثمارات أجنبية متنوعة لتحقيق نهضة الأمة”.
ومن خلال هذه الرؤية، أبرز لي جيان أنه يمكن للبلدين تعزيز تعاون تحت مبدأ رابح-رابح في مجالات الاستثمارات وتطوير السياحة وتحديث الفلاحة والطاقة المتجددة والطيران والفضاء وصناعة السيارات والاقتصاد الرقمي، ليساهم في الارتقاء بالعلاقات الثنائية، خاصة مع “إصدار الجزائر قانون الاستثمار الجديد للسعي إلى تحسين بيئة الأعمال لتصبح منطقة ساخنة للاستثمار”.
وتحدث السفير في السياق عن طموحات الجزائر في الفضاءات الجيوسياسية الدولية، بعد أن قدمت طلبا رسميا للانضمام إلى بريكس وطلبت الانضمام إلى منظمة شانغهاي للتعاون. وأشار إلى انتخاب الجزائر بنجاح عضوا غير دائم لمجلس الأمن في الفترة بين 2024 إلى 2025 وعضو مجلس حقوق الإنسان للأمم المتحدة في الفترة بين 2023 إلى 2025، مما يوفر حسبه فضاء أوسع لتعميق وتطوير التعاون الاستراتيجي بين البلدين.
وتحتاج الصين لدعم الجزائر في هذه المواقع الدولية الفاعلة، خاصة في ظل الانتقادات الحقوقية الغربية التي تطالها. وفي هذا السياق، يتشارك البلدان في الدعوة لإصلاح منظومة الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي على النحو الذي يضفي أكثر عدالة في صيغته التمثيلية وأكثر شفافية في طرق عمله وبما يؤسس لنظام عالمي جديد متعدد الأقطاب. كما يتوافقان في الموقف من الصراع الروسي الأوكراني، من خلال اعتماد سياسة الحياد الإيجابي.
المصدر: صحيفة القدس العربي