احتلت المياه موقعاً هاماً في الفكر الاستراتيجي الصهيوني منذ بدء التفكير بإنشاء “إسرائيل”، مستندة إلى ادعاءات دينية وتاريخية مؤسسة على نصوص توراتية على شاكلة: “كل موقع تدوسه بطون أقدامكم لكم أعطيته… كما كلمت موسى من البركة ولبنان.. هذا إلى النهر الكبير نهر الفرات… وإلى البحر الكبير نحو المغيب يكون تُخُمُكُم … فقطع مع إبراهيم ميثاقًا بأن يعطي لنسله هذه الأرض من نهر مصر إلى النهر الكبير نهر الفرات ..”، ومنه تطوّر خطاب الآباء المؤسسين للكيان المؤقت أن الحدود المثالية لدولة “إسرائيل” من النيل إلى الفرات، ثم بدعم من “الجمعية العلمية البريطانية” -التي أصدرت عام 1875 توصية بإسكان خمسة ملايين مهاجر يهودي في فلسطين- كان أول تحرك عملي بادر فيه مجموعة من خبراء فرنسيين وأمريكيين، ومن بينهم (موزس هيس – Moses Hess) أحد مؤسسي الحركة الصهيونية أواخر القرن التاسع عشر، بإيفاد الخبراء واللجان العلمية لدراسة الموارد المائية في كل من العراق وفلسطين، وإمكانية الاستفادة من مياه نهر الأردن لتوليد الطاقة الكهربائية بسبب انخفاض البحر الميت عن البحر المتوسط .
ظهرت دراسات عديدة لرصد السياسة الخارجية “الإسرائيلية” تجاه دول الطوق العربي على مدى العقود الماضية، وتنوَّعت تلك الدراسات بين التي تناولت علاقات “إسرائيل” بإفريقيا أو تحديدًا دول حوض النيل، وراح كل منها يركِّز على جانب أو أكثر من أوجه هذه العلاقات. تجتهد هذه الدراسة لبحث صحة فرضية عمل “إسرائيل” طبقًا لمبدأ “عسكرة المياه” واستهداف مصر من خلالها، وتحاول تحليل أسباب وضع “إسرائيل” لإثيوبيا في مقدمة اهتماماتها في سياق ما صار يعرف مؤخرًا “حروب المياه” ورصد ودراسة خطواتها لتنويع مجالات علاقاتها مع دول حوض النيل، وطريقة تعامل النظام المصري مع التحديات المفروضة.
ولأجل تغطية هذا الموضوع الهام والاستراتيجي، خصصت هذه الدراسة للإجابة على تساؤلات عديدة منها:
-متى بدأ اهتمام “إسرائيل” بأفريقيا؟
-ما هي وسائل وأدوات التحرك “الإسرائيلي” تجاه إفريقيا؟
-ما هي محددات السياسة “الإسرائيلية” تجاه دول حوض النيل عموماً وإثيوبيا بشكل خاص؟
-وما تأثيرات ذلك على الأمن القومي المصري؟
-كيف كانت استجابة النظام المصري للتحديات المفروضة؟
المصدر:مركز الاتحاد للأبحاث والتطوير