فرنسا تراهن على الهند رافعة لتعزيز حضورها في منطقة الهندي ـ الهادي

Spread the love
image_pdfimage_print

تتأهب باريس لاستقبال رئيس وزراء الهند نارندرا مودي، في خامس زيارة يقوم بها لفرنسا منذ وصوله إلى الحكم، الأمر الذي يعكس معنى الشراكة الاستراتيجية التي تجمع الطرفين الفرنسي والهندي منذ 25 عاماً. وبالنظر للبرنامج المكثف الذي أُعد للمسؤول الهندي الذي يحل «ضيف الشرف» بمناسبة العيد الوطني الفرنسي، ومشاركة 4 مجموعات من قوات المشاة الهندية و3 طائرات «رافال» فرنسية الصنع، في العرض العسكري التقليدي صباح الجمعة على جادة الشانزليزيه، فإنه من الواضح أن رهانات فرنسا على الهند كبيرة وطموحة؛ أكان على المستوى الدفاعي أو الصناعي والتجاري، وفيما يسمى «الملفات الكلية»، مثل البيئة والطاقة والسيبرانية.

ومن مظاهر الحفاوة عشاء خاص سيجمع الرئيس ماكرون مع ضيفه الهندي مساء الجمعة وحفل عشاء واسع سيحصل داخل «متحف اللوفر»، بحضور 200 شخصية من جميع القطاعات المجتمعية، بالإضافة طبعاً لحضور مودي على منصة الشرف المنصوبة في ساحة «الكونكورد» لمشاهدة العرض العسكري. ولأن باريس، كما تقول مصادر «الإليزيه»، «لا تنسى تضحية» 9 آلاف جندي هندي قتلوا على الأراضي الفرنسية والبلجيكية إبان الحرب العالمية الأولى، فإن 241 جندياً هندياً سيكونون في مقدمة الجنود المشاة الذين سيسيرون في العرض. كذلك، فإن الطائرات الهندية ستكون ضمن التشكيلة الأولى للطيران الحربي الذي سيفتتح العرض.

تعزيز الشراكة الاستراتيجية

وقالت المصادر الرئاسية الفرنسية، في معرض تقديمها للزيارة، إن باريس عازمة على تعزيز الشراكة الاستراتيجية مع الهند التي تنهض على التعاون، بالدرجة الأولى، في القطاع الدفاعي الذي تعود بداياته لعدة عقود، وقد انطلق مع تزويد الهند بدفعة من الغواصات فرنسية الصنع. كذلك، شكل شراء الهند عام 2016 ما لا يقل عن 36 طائرة قتالية من طراز «رافال»، أكبر صفقة (8 مليارات يورو) لشركة «داسو للطيران» المصنّعة للطائرة المذكورة.

ومن المتوقَّع أن تشكل زيارة مودي مناسبة للإعلان عن شراء صفقة بقيمة 3.3 مليار دولار تحصل بموجبها البحرية الهندية على 26 طائرة «رافال» مخصصة لحاملة الطائرات الهندية «آي إن إس فيكرانت». وبالمقابل، تطمح باريس لبيع الهند 6 غواصات من طراز «سكوربين» تعمل بالدفع التقليدي. بيد أن الإعلان عن الصفقة الأخيرة ليس مؤكداً خلال زيارة مودي الراهنة التي تدوم يومين.

ومنذ عام 2019، كانت الهند تتردد ما بين شراء «رافال» الفرنسية وطائرة «إف آي 18» الأميركية التي تصنعها شركة «بوينغ» في شقها العسكري. وتراهن باريس على أن التوترات المتزايدة مع الصين في منطقة الهندي ــ الهادي من شأنها أن تدفع نيودلهي إلى التسريع في التعاقد على شراء دفعة جديدة من الغواصات. وتطمح فرنسا بأن تكون هي الجهة الرابحة.

بيد أن الرهان الفرنسي على الهند له أساس آخر يعود لخسارتها عام 2021 «صفقة القرن» مع أستراليا، التي ألغت عقداً لشراء 12 غواصة فرنسية الصنع بقيمة 50 مليار دولار، واستبدلت به عقداً ثلاثياً مع الولايات المتحدة وبريطانيا للحصول على غواصات تعمل بالدفع النووي. وما اعتبرته باريس إهانة لها هو استبعادها من التحالف الثلاثي «أوكوس» الذي ظهر، وضم الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا رغم أن لفرنسا مصالح أساسية في المنطقة.

ومع هذه الضربة الموجعة، قررت فرنسا التركيز على الهند التي أخذت تعتبرها شريكها الأول في المنطقة. وقالت المصادر الرئاسية الفرنسية إن الهند «أحد أعمدة استراتيجيتنا في منطقة الهندي ــ الهادي، ونحن نريد بناءها وتعزيزها بالتعاون معها، كما أننا نسعى لتوسيع انتشارنا في باقي المنطقة بالتعاون معها».

وتتطابق الرغبة الفرنسية مع رغبة هندية مماثلة؛ إذ إن الطرفين «يريدان المساهمة في المحافظة على الأمن والسلام في المنطقة». وقال الجنرال باتريك ستيغر، مدير وحدة شؤون الأمن الدولي التابع للإدارة العامة للعلاقات الدولية والاستراتيجية، إن ما هو قائم بين فرنسا والهند «علاقة عالية المستوى تتسم بالثقة والكثافة».

قوة اقتصادية

لا تغفل المصادر الرئاسية التذكير بما تمثله الهند التي تُعد القوة الاقتصادية الخامسة في العالم، وثاني شريك لفرنسا في آسيا، وأكبر دولة في العالم من حيث عدد السكان، بعد أن تخطت الصين. وفي المجال البيئي، تُعدّ ثالث مصدر لانبعاثات ثاني أكسيد الكربون بعد الصين والولايات المتحدة، وبالتالي فمن الأساسي وجود علاقة وثيقة معها للتعامل مع التحديات البيئة.

وتذكر باريس أن الهند ترأس «مجموعة العشرين» لهذا العام. وبهذه الصفة، فإن لها رؤيتها وكلمتها في شؤون العالم، وتريد باريس استغلال مناسبة وجود مودي في فرنسا للتحضير للقمة المقبلة، ولكن أيضاً للنظر فيما يمكن أن يصدر عن «مجموعة العشرين» بشأن الحرب الدائرة في أوكرانيا. وترى باريس أنها لعبت دوراً في إقامة صلة وصل بين مودي والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، حيث إنهما اجتمعا في هيروشيما، بدفع فرنسي، على هامش قمة «مجموعة السبع» كما أن مودي أخذ يتواصل مع نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي دورياً عبر الهاتف.

علاقة شاملة

لا يريد الطرفان حصر علاقاتهما بالجوانب الدفاعية، بل إن باريس ونيودلهي تريدان، وفق «الإليزيه»، علاقة «شاملة» تذهب من الدفاع وتصل إلى القطاعات الاقتصادية والتجارية والثقافية والتعليمية. وخلال إقامته في باريس، سيحضر مودي وماكرون مؤتمراً يضم رجال الأعمال من البلدين. ومن المشاريع التي تعتبر فرنسا أنها لعبت دوراً مهماً فيها، إطلاق «التحالف الدولي للطاقة الشمسية» الذي يهدف إلى تعبئة أكبر استثمارات ممكنة للاستفادة من الطاقة الشمسية في كل أنحاء العالم.

كذلك، يسعى الطرفان للعمل معاً في المجال السيبراني والحرب على الإرهاب. ومما تطمح إليه فرنسا اجتذاب آلاف الطلاب الهنود إلى جامعاتها، وتعزيز تعليم اللغة الفرنسية في المدارس الهندية التي يغلب فيها، كما هو طبيعي، تعليم الإنجليزية. وهدف باريس أن تصل إلى استيعاب 20 ألف طالب هندي في عام 2025.

حقيقة الأمر أن أحد العوامل الرئيسية الحاسمة التي تدفع فرنسا والهند، وكلتاهما قوة نووية، يكمن في كيفية التعامل مع الصين. وتسعى باريس ونيودلهي إلى بناء شبكة علاقات لا تريدانها بالضرورة مرتبطة بالعربة الأميركية. من هنا، فإن شراكتهما الاستراتيجية يمكن اعتبارها وسيلة للتموضع في مكان «وسطي»، خصوصاً في منطقة بالغة الأهمية الاستراتيجية التي يقدر أن تكون، للعقود المقبلة، الفضاء الحقيقي للتنافس الصيني ــ الأميركي.

ميشال أبو نجم

المصدر: صحيفة الشرق الأوسط