يبدو أن الفجوة بين شركة توتال إنرجي ونظيراتها الفرنسية ما تزال تتسع حول الطريقة المثلى لتحقيق انتقال عادل للطاقة، في ظل إصرار رئيس توتال على مواصلة الاستثمار في الوقود الأحفوري، بوصفه ضروريًا في مزيج الطاقة.
ولم يستبعد رئيس شركة توتال إنرجي، باتريك بويانيه، احتمال حدوث نقص في الغاز بفرنسا هذا الشتاء، رغم ملء المخزونات على نحوٍ جيدٍ، خلال مشاركته في منتدى اقتصادي بفرنسا.
وقال بويانيه، إنه “فيما يتعلق بالغاز، نعم، ستكون المخزونات ممتلئة” في أكتوبر/تشرين الأول، إلا أنه حذّر من أنه “إذا كان الشتاء باردًا في أوروبا”، فإن سعة التخزين في القارة العجوز لن تكون كافية لتلبية طلب المستهلكين الأوروبيين على الغاز طوال الموسم، بحسب التصريحات التي طالعتها منصة الطاقة المتخصصة.
وشدد على أنه حال وجود شتاء قاسٍ فسيتعين على أوروبا السيطرة على شحنات الغاز المسال من دول أخرى: “حوّلنا أكثر من 10% من السوق العالمية.. لقد دفعنا ثمنًا غاليًا، نحن من رفعنا الأسعار العام الماضي”.
ولخص باتريك بويانيه الأمر قائلًا: “سيكون لديكم جميعًا غاز، وستحصلون على التدفئة.. أما بالنسبة إلى سعره، فسنرى!”.
مخاطر الانتخابات الرئاسية الأميركية
أشار رئيس توتال إنرجي إلى خطر آخر على المدى الطويل، يتمثّل في تراجع الولايات المتحدة في سوقها المحلية، خلال مشاركته في جلسة حوارية على هامش اجتماعات إيكس أون بروفانس الاقتصادية.
ففي ضوء الانتخابات الرئاسية التي ستجرى بعد أكثر من عام، قد ينجذب الجمهوريون الأميركيون إلى إغلاق أبواب صادرات الغاز المسال، من أجل الحد من ارتفاع الأسعار في السوق المحلية.
وقال باتريك بويانيه: “إذا قرر الجمهوريون وقف الصادرات، فهناك مخاطر كبيرة على النظام”.
وتعتمد أوروبا اليوم بصورة كبيرة على الغاز الأميركي، ففي عام 2022، جذبت القارة العجوز وحدها 64% من صادرات الغاز المسال الأميركية، وقد تضاعفت التدفقات من الولايات المتحدة إلى أوروبا العام الماضي، ويستمر الاتجاه هذا العام، بحسب ما نقلته صحيفة “ليزيكو” الناطقة باللغة الفرنسية (Les Echos).
ويوضح الرسم البياني التالي -الذي أعدّته منصة الطاقة المتخصصة- أن الولايات المتحدة تأتي في مقدمة مصدري الغاز المسال إلى أوروبا:
جاءت تصريحات رئيس توتال إنرجي لتتناقض مع الكلمات المطمئنة التي أدلت بها قبل بضع دقائق رئيسة شركة إنجي الفرنسية كاترين ماكغريغور.
إذ قالت: “المخزونات ممتلئة، نتطلع إلى الشتاء بهدوء”، بسبب جهود ترشيد الاستهلاك والمصادر الجديدة للواردات؛ ولكنها أكدت: “سنظل نواجه نظامًا شديد التقلب في السنوات المقبلة”.
توترات الشتاء الماضي نتجت -أيضًا- عن إغلاق جزء من المفاعلات النووية الفرنسية؛ وهو ما دفع رئيس شركة كهرباء فرنسا (إي دي إف) لوك ريمون إلى تأكيد أن “إنتاج الكهرباء آخذ في الارتفاع.. يمكننا أن نقترب من الشتاء المقبل بهدوء”.
الاستثمار في الوقود الأحفوري
استنكر رئيس توتال إنرجي، باتريك بويانيه، ما أُثير بشأن انخفاض أسعار الغاز إلى مستوى طبيعي، وهو ما ينبع من التأقلم على نطاق سعري معين.
وقال: “بالنسبة لي، بوصفي بائعًا للغاز، أسعار الغاز تُعد مرتفعة إلى حدٍ ما.. فقد انتقلنا في أوروبا إلى سعر يزيد 3 أضعاف أو ضعفين ونصف مقارنةً بأسعار ما قبل الأزمة”، التي تسببت فيها الحرب الروسية في أوكرانيا.
وأضاف: “ما يدفع جميع خياراتنا هو تكلفة الطاقة. ومع ذلك، فإن الدرس المستفاد من العام الماضي هو أنه كانت هناك صدمة أسعار”.
علاوةً على ذلك، في الشتاء الماضي، “كان الغاز هو ما جعل النظام ثابتًا. عليك أن تضع ذلك في الحسبان”، وفق ما صرح به رئيس توتال إنرجي.
كما شدد بويانيه على أن الجميع يعلم أن انتقال الطاقة يتكلف أكثر: “بسبب انتقال الطاقة، ولأننا نستثمر أقل في الوقود الأحفوري، وبصفةً خاصة النفط، فإن سعر النفط سيظل مرتفعًا بصورة دائمة”.
كما أعاد تأكيد أن توتال إنرجي تستثمر المليارات في مصادر الطاقة المتجددة، لكنها ستستمر في إنتاج النفط.
وقال: “سنستمر في إنتاج الوقود الأحفوري، لأننا لا نستطيع إجبار المستهلك على تغيير الطاقة.. وإذا أنتجنا أقل، فإن الأسعار سترتفع”.
وتابع: “يفقد النفط 4% من الإنتاج سنويًا إذا لم نستثمر.. كنا ننتج 100 مليون برميل العام الماضي، وإذا لم نستثمر فسيصل الإنتاج إلى 96 مليون برميل.. وكالة الطاقة الدولية أعلنت الحاجة إلى 102 مليون برميل هذا العام، لذا سننتج 101 مليون على الأقل”.
خلاف حول تكلفة الطاقة المتجددة
استشهدت رئيسة شركة إنجي الفرنسية كاترين ماكغريغور بإسبانيا مثالًا، إذ شهدت مدريد أسعار طاقة أقل من فرنسا خلال الأشهر الـ6 الماضية، مع مزيج من الطاقة تهيمن عليه مصادر الطاقة المتجددة، وهو دليل على أنه من الممكن تحقيق “مزيج طاقة خالية من الكربون ورخيصة الثمن للمستهلك”.
علاوةً على ذلك، حتى إذا زادت مصادر الطاقة المتجددة من عدم الاستقرار في شبكات الكهرباء، فإن “محطات توليد الكهرباء بالغاز، التي تعمل بالغاز الخالي من الكربون، ستؤدّي دورًا هائلًا” في التغلب على هذا الأمر، بحسب رئيسة “إنجي”.
هنا مرة أخرى، اختلف باتريك بويانيه: “عندما تنظر إلى النظام بأكمله، ما لم توافق على الاحتفاظ بالكثير من الوقود الأحفوري، فستتكلف أكثر من اليوم.. يجب ألا تخبر الناس أنه نظرًا إلى أن الشمس مجانية، فلن تكون باهظة الثمن، هذا ليس صحيحًا! سيكون النظام أكثر تعقيدًا للتلاعب به”.
وأوضح أن ذلك يرجع إلى أن الكهرباء المنتجة من الألواح الكهروضوئية، وتلك الناتجة عن توربينات الرياح، ستظل “متقطعة”، أي تعتمد على الظروف الجوية.
بمعنى آخر، في مزيج الطاقة حيث ستصبح هذه المصادر هي الأغلبية، سيكون من الضروري إنشاء “سعات تخزين” للكهرباء، من أجل استعادتها عندما تثبت وسائل الإنتاج أنها غير كافية، بسبب قلة أشعة الشمس أو الرياح.
ومع ذلك، “نحن بعيدون عن ذلك”، كما ذكر باتريك بويانيه، لأنه لا توجد تقنية تنافسية اليوم تجعل من الممكن تخزين الكهرباء على نطاق واسع.
كما استغل بويانيه الفرصة للتطرق إلى الظروف التي فازت بموجبها شركة كهرباء فرنسا بمناقصات طاقة الرياح البحرية الأخيرة، بأقل من 50 يورو لكل ميغاواط/ساعة، وفق ما أفادت به صحيفة “لا تريبيون” الناطقة باللغة الفرنسية (La Tribune).
وقال رئيس توتال إنرجي: “إذا أجريتَ استثمارًا، فمن المحتمل أنك لا تفترض 50 يورو لكل ميغاواط/ساعة، ولكن ربما أكثر من ذلك بكثير.. نحن لا نستثمر في طاقة الرياح البحرية في أوروبا مقابل 50 يورو لكل ميغاواط/ساعة، هذا ليس صحيحًا!”.
وشدد على أن الادعاءات بأن مصادر الطاقة المتجددة غير مربحة، لا أساس لها من الصحة، إذ ستكون لها عوائد عالية، مؤكدًا أن نظام الطاقة الخالي من الكربون سيكون أكثر تكلفة.
وردت رئيسة شركة إنجي بأنهم لم يحددوا بعد مكونات نظام الطاقة، إذ يتعيّن وجود أصول مرنة، ويتعين الاستثمار في البطاريات، كما يجب أن تؤدي محطات الكهرباء العاملة بالغاز الخالي من الكربون دورًا لتعويض التقطع الناجم عن مصادر الطاقة المتجددة.
رؤى مختلفة لانتقال الطاقة
من خلال الجمع بين رؤساء شركات الطاقة الفرنسية الثلاث الكبرى جنبًا إلى جنب، توتال إنرجي وإنجي وكهرباء فرنسا (إي دي إف)، سلّطت اجتماعات إيكس أون بروفانس الاقتصادية الضوء على ما يفصل بينها: رؤى مختلفة للتحول البيئي ومستقبل سوق الطاقة، وفق ما رصدته منصة الطاقة المتخصصة، نقلًا عن صحيفة “ويست فرانس” الناطقة باللغة الفرنسية (Ouest France).
وتشترك شركة كهرباء فرنسا وإنجي -على الأقل- في هدف الاستغناء تمامًا عن الكربون، وبالتالي النفط والغاز الطبيعي، بحلول عام 2050، وفقًا للالتزامات الفرنسية والأوروبية، وهذا ليس هو الحال مع توتال إنرجي.
ويراهن رئيس شركة كهرباء فرنسا، لوك ريمون، على الكهرباء بالكامل: “علينا أن ننظر إلى جميع التقنيات التي تمكن من إزالة الكربون. ومن بين هذه التقنيات، تتمتع الكهرباء الخالية من الكربون بأكبر قدر من الإمكانات”.
وأضاف أن “الطاقة النووية هي حتى الآن التكنولوجيا الوحيدة التي تسمح بإنجاز إزالة الكربون على نطاق الاحتياجات”، في الوقت الذي أعلن فيه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون هدفًا لبناء 6 مفاعلات نووية أوروبية مضغوطة جديدة.
وبالنسبة إلى لوك ريمون، “يتمثّل التحدي الرئيس الذي يواجهنا في العودة إلى نطاق البناء السريع والمتناغم للمفاعلات الجديدة”.
وقد رحّبت شركة “إي دي إف” بزيادة حصة مصادر الطاقة المتجددة، سواءً كانت الطاقة الشمسية أو طاقة الرياح؛ لكن ريمون أشار إلى أن هذه الطاقات لا يمكن التحكم فيها حسب الحاجة، على عكس الطاقة النووية والسدود المائية (الهيدروليكية).
وفي الوقت الذي تروّج فيه “إي دف إف” للطاقة النووية، تقدم شركة إنجي “تحالفًا بين الإلكترون والجزيء”، أي الغاز؛ وهو أمر ليس من المستغرب من زعيم سوق الغاز الفرنسية.
وقالت كاترين ماكغريغور: “لن نفعل كل شيء بالكهرباء. إننا سنحتاج إلى الاحتفاظ بجزيء”، خاصةً لوسائل النقل والصناعة.
وأضافت: “اليوم هو غاز أحفوري.. سننتقل غدًا إلى الغاز الحيوي، والميثان الحيوي (جزيئات اصطناعية يمكن إنشاؤها بوساطة طاقة خالية من الكربون، مثل الطاقة النووية)، لأن الجزيء يوفر المتانة اللازمة لنظام الطاقة”.
دينا قدري
المصدر: منصة الطاقة