مشهد الطاقة في آسيا والمحيط الهادئ.. تحديات وتوقعات متفائلة للمصادر النظيفة

Spread the love
image_pdfimage_print

يؤثر مشهد الطاقة في آسيا والمحيط الهادئ بشدة في خريطة أسواق الطاقة العالمية، سواء على مستوى الوقود الأحفوري أو المصادر المتجددة الصاعدة عالميًا.

وأسهم ارتفاع أسعار الطاقة، خلال العام الماضي، في زيادة الاستثمار بالمنطقة على مستوى الوقود الأحفوري ومصادر الطاقة المتجددة مع اختلاف درجات الاستثمار وحجمه من قطاع إلى آخر.

وزادت توقعات الاستثمار بقطاع الطاقة في آسيا والمحيط الهادئ بنسبة 50% خلال السنوات الـ10 المقبلة، لتصل إلى 3.3 تريليون دولار، موزعة على مصادر الطاقة المتجددة والوقود الأحفوري، وفقًا لتقديرات شركة أبحاث الطاقة “وود ماكنزي“.

ويشهد الفحم نموًا بمزيج الطاقة في آسيا والمحيط الهادئ، إلا أن مصادر الطاقة المتجددة في ازدياد أيضًا، وسط توقعات بتجاوز الطاقة الشمسية وطاقة الرياح للوقود الأحفوري بحلول 2038.

كما يتوقع أن تستحوذ المصادر المتجددة على حصة 49% بمزيج الطاقة في آسيا والمحيط الهادئ بحلول 2050، وفقًا لما رصدته وحدة أبحاث الطاقة من تقديرات وود ماكنزي.

تحديات أزمة الطاقة في آسيا والمحيط الهادئ

يواجه قطاع الطاقة في آسيا والمحيط الهادئ تحديات متنوعة، خاصة بعد أزمة الطاقة العالمية التي أحدثتها الحرب الأوكرانية، ما دفع مسائل أمن الطاقة إلى قمة هرم الأولويات الاجتماعية والسياسية في جميع بلدان العالم.

كما توقفت كثير من دول العالم عن مسارات تحرير اقتصاداتها لصالح تدخلات حكومية تستهدف تخفيف حدة أزمة الطاقة على المواطنين، إذ لجأت كوريا الجنوبية وأستراليا إلى فرض سقوف أسعار صارمة على أسواق الكهرباء بالجملة للحد من تكاليف الطاقة عام 2022.

كما لجأت الفلبين واليابان إلى تعزيز دعم تعرفات الاستهلاك النهائي للكهرباء، في حين لجأت عدة دول إلى الفحم مرة أخرى عبر مد خطط التخلص التدريجي منه، مع دعم أكبر للطاقة النووية بعد سنوات من إقرار خطط خفض الاعتماد عليها.

وعلى الرغم من طفرة الاستثمار في طاقة الرياح والطاقة الشمسية بمنطقة آسيا والمحيط الهادئ فإن مصادر الطاقة المتجددة المتقطعة ما زالت تحتاج إلى استثمارات ضخمة في الشبكة، لتسهيل فرص الوصول إليها والاستفادة من إمكاناتها.

انخفاض أسعار الطاقة المتجددة مقارنة بالفحم

ما زالت القيمة السوقية لطاقة الرياح والطاقة الشمسية في منطقة آسيا والمحيط الهادئ منخفضة مقارنة بالوقود الأحفوري، ما يعني الحاجة إلى المزيد من الاستثمارات في خطوط نقل الكهرباء.

إحدى محطات الطاقة الشمسية في آسيا
محطة للطاقة الشمسية في آسيا – الصورة من blue or chard

وانخفضت أسعار الكهرباء المولدة من طاقة الرياح والطاقة الشمسية في أسواق الجملة بنسبة 4% عن الكهرباء المولدة بالفحم في عام 2022.

وما زالت فجوة الانخفاض مستمرة بينهما، وسط توقعات باتساعها إلى 20% بحلول 2030، مع زيادة التوسع في المصادر المتجددة على نطاق واسع ضمن توسعات قطاع الطاقة في آسيا والمحيط الهادئ.

وتضم منطقة آسيا والمحيط الهادئ 22 دولة، من بينها الصين وتايوان والهند واليابان وكوريا الجنوبية وسنغافورة وإندونيسيا وماليزيا وباكستان وبنغلاديش وغيرها، وفقًا لما رصدته وحدة أبحاث الطاقة.

الصين تتصدر الطاقة المتجددة والفحم والانبعاثات

تتصدّر الصين النمو في مصادر الطاقة المتجددة والفحم والانبعاثات أيضًا، مع خطط تستهدف التوسع في الفحم والطاقة النظيفة خلال السنوات الـ5 المقبلة، مدفوعة بنمو الطلب على الكهرباء والحاجة إلى تعزيز الأمن الاقتصادي وأمن الطاقة معًا.

وما يزال الفحم أحد أرخص مصادر توليد الكهرباء في آسيا، لكنه ينتج أعلى معدل انبعاثات كربونية، ما يجعل التوسع في استهلاكه محفوفًا بمخاطر عودة ذروة انبعاثات قطاع الطاقة في آسيا والمحيط الهادئ مرة أخرى.

وزادت انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في المنطقة بمقدار 568 مليون طن بين عامي 2020 و2022، ومن المتوقع أن تبلغ ذروتها عند 7.8 مليار طن في عام 2027، ثم تنخفض بنسبة 48% بحلول 2050 مع زيادة التوسع في خيارات الطاقة النظيفة.

وتنسب أغلب انبعاثات ثاني أكسيد الكربون إلى الفحم، أكثر مصادر الوقود الأحفوري تعرضًا للانتقادات البيئية، إلا أن قطاع الطاقة في آسيا والمحيط الهادئ ما زال يخطط لتوليد 374 غيغاواط إضافية من الكهرباء عبر الفحم بحلول 2027، بقيادة الصين والهند.

وتزيد الإضافات المتوقعة للفحم في المنطقة على ضعف إضافات السعة العالمية المخططة في قطاع الغاز الطبيعي، ما يشير إلى أن آسيا ما زالت متمسكة بالفحم لدرجة يصعب الفكاك منه بسهولة.

هل تنخفض حصة الصين من الانبعاثات؟

من المتوقع أن تنخفض حصة الصين من انبعاثات الكربون الصادرة عن قطاع الطاقة في آسيا والمحيط الهادئ بصورة تدريجية منتظمة، إذ تسير بكين في مسارها لتحقيق هدف الوصول إلى ذروة الانبعاثات بحلول 2030، تمهيدًا لانخفاض الانبعاثات في العقود التالية.

ويوضح الرسم التالي -من إعداد وحدة أبحاث الطاقة- خريطة أكبر الدول المصدرة للانبعاثات في قطاع الكهرباء 2022:

أكبر مصدري انبعاثات الكهرباء حول العالم

ورغم سعى الصين إلى هذا الهدف بحلول 2030 فإن حصتها من الانبعاثات الإقليمية ستظل الأعلى من بين دول المنطقة رغم انخفاضها من 64% عام 2022 إلى 45% عام 2050، وفقًا لتقديرات وود ماكنزي.

على الجانب الآخر، فإن الهند قد تشهد زيادة انبعاثاتها من ثاني أكسيد الكربون حتى تصل إلى الذروة، وسط توقعات بأن تصل حصتها من انبعاثات المنطقة إلى 25% بحلول 2050.

تُجدر الإشارة إلى أن الهند تعهدت بالوصول إلى الحياد الكربوني بحلول 2070، في حين التزمت الصين بالوصول عام 2060، أما أغلب دول العالم فما زالت مرتبطة بموعد 2050، وفقًا لما رصدته وحدة أبحاث الطاقة.

توقعات أسعار الفحم والغاز بين عامي 2023 و2027

انخفضت أسعار الفحم والغاز منذ مطلع عام 2023 بصورة ملحوظة مقارنة بأسعار العام الماضي المشتعلة بسبب الحرب الروسية الأوكرانية، وسط توقعات باستمرار الانخفاض على أساس سنوي بنسبة 17% و8% على التوالي حتى نهاية 2023.

كما يتوقع انخفاض أسعار الفحم أكثر بداية من عام 2027، لتصل إلى 4 دولارات لكل مليون وحدة حرارية بريطانية، في حين يتوقع استقرار أسعار الغاز بحلول هذا التاريخ بين 9 و9.6 دولارًا لكل مليون وحدة حرارية بريطانية، وفقًا لتقديرات وود ماكنزي.

ورغم قوة الفحم الحالية وإسهامه الكبير في مزيج الطاقة العالمي فإن تراجع دوره المستقبلي خلال العقود المقبلة يبدو شبه محسوم مقارنة بغيره من مصادر الوقود الأحفوري الأخرى.

الطاقة النووية تنافس الفحم

من المتوقع أن ينخفض استعمال الفحم في توليد الكهرباء بنسبة 50% على الأقل بقطاع الطاقة في آسيا والمحط الهادئ بحلول 2050، مع تطلع دول المنطقة خاصة الصين واليابان وكوريا الجنوبية إلى الطاقة النووية بوصفها بديلًا آمنًا وأقل تكلفة وذات انبعاثات أقل.

ومن المتوقع ارتفاع قدرة الطاقة النووية في آسيا والمحيط الهادئ من 102 غيغاواط عام 2022 إلى 476 غيغاواط عام 2050، بقيادة خطط التوسع في الصين.

وتستهدف دول آسيا تعزيز مشروعات الطاقة النووية في المدن الساحلية المقيدة بمساحات أراضٍ محدودة وذات إمكانات ضعيفة بالنسبة للطاقة المتجددة.

ومن المرجح أن تظل تكلفة الطاقة النووية في هذه المناطق أقل من الغاز والرياح البحرية حتى أواخر عام 2030، وما بعده على الأقل، وفقًا لتقديرات وود ماكنزي.

وترى شركة الأبحاث ضرورة زيادة قدرة الطاقة النووية لتتجاوز الغاز والطاقة الكهرومائية بحلول عام 2050، رغم التحديات السياسية التي تعوق التقدم في مسارها خشية التلوث الإشعاعي الناتج عن حوادث التسرب.

توقعات بطاريات تخزين الكهرباء 2050

يتوقع على الجانب الآخر نمو بطاريات تخزين الكهرباء في منطقة آسيا والمحيط الهادئ إلى 1277 غيغاواط بحلول 2050، مقارنة بـ17 غيغاواط حاليًا.

ومن المرجح أن تكون للصين والهند الهيمنة على سعة بطاريات تخزين الكهرباء في المنطقة على المدى الطويل، لكن نمو الأسواق المتحررة مثل أستراليا والهند واليابان وسنغافورة سيكون أسرع من الأسواق الخاضعة للتنظيم، إذ تتوافر الخدمات المساعدة والحوافز بصورة أكبر وأكثر إغراءً.

ورغم النمو السريع في هذا القطاع فإن سعة تخزين البطارية ما زالت أقل من 0.5% من إجمالي السعة المركبة عام 2022، وسط توقعات بوصولها إلى 2.9% فقط بحلول 2030، و10% بحلول 2050.

وتشير هذه البيانات إلى أن الاستثمار في سعة بطاريات تخزين الكهرباء ما زال ضعيفًا للغاية، ويحتاج إلى إنفاق عالٍ جدًا لمواكبة نمو الطلب على الطاقة المتجددة بحلول 2030 وما بعده.

ويُعد ارتفاع تكاليف تخزين البطارية وضعف السياسات الداعمة للقطاع من أبرز المخاطر والتحديات التي تواجه مسار انتقال الطاقة في منطقة آسيا والمحيط الهادئ.

رجب عز الدين

المصدر: منصة الطاقة