نشرت صحيفة “واشنطن بوست” تقريرا عن العدوان الإسرائيلي على مخيم جنين الأسبوع الماضي، ولكن عبر رؤية عائلة واحدة في المخيم.
وفي التقرير الذي أعده ستيف هندريكس وسفيان طه، قالا إن حسين شبلي مشى بعد أداء صلاة الجمعة عبر مدينة تعود للحياة من دمار كبير إلى مجرد الفقر، فقد رفعت جرافة سيارة محطمة، وأصلح رجالٌ الثقوب التي خلفتها الرصاصات في خزان مياه، وغسلت سيارة إطفاء السخام من شارع مزدحم.
وعند وصوله إلى بيت العائلة، صعد الدرج إلى غرفة المعيشة التي تحولت إلى مغارة متفحمة جراء صاروخ محمول على الكتف أطلقه جنود الاحتلال، وتساءل: “هل هذا يصلح للعيش؟”، وأضاف حيث وقف بين بقايا الكراسي والأرائك “لماذا يحدث هذا لنا؟”.
ويواجه شبلي وجيرانه ما خلفه أكبر توغل عسكري إسرائيلي في جنين منذ عقدين، وأُطلق فيه العنان للطيران والقصف المدفعي على مدى يومين ضد شوارع شديدة الانحدار ومكتظة بالمنازل. وتقول إسرائيل إن العملية هي أمنية ضد منطقة أصبحت ساحة للنشاطات ضدها، وخرج منها 50 عملية في الفترات الماضية، وأن الـ12 الذين قُتلوا في العملية هم من الناشطين المعروفين، بحسب زعمها.
لكن بالنسبة للعائلات التي علقت في المخيم بسبب القتال، كانت العملية هي بمثابة 44 ساعة من الإرهاب، فقد استطاع آلاف السكان الهروب، أما الآخرون فقد التزموا غرف نومهم والحمامات، لكن قلة عانت من الرعب الذي عاشته عائلة شبلي. وكان حسين (69 عاما) يشاهد التلفزيون في ساعة متأخرة من ليلة الأحد، وهو روتين اعتاد عليه بسبب سنوات عمله الطويلة في مناوبات ليلية بمصنع إسرائيلي لتجهيز اللحوم.
ولد حسين في المخيم، حيث يعيش أكثر من 14 ألف شخص في مساحة لا تزيد عن نصف كيلو مربع. ويعتبر الفقر والبطالة علامة واضحة للحياة، كما هي المداهمات التي تقوم بها وحدات الكوماندوز الإسرائيلية.
في تلك الليلة، انتشرت الشائعات حول عملية إسرائيلية مرتقبة، إلا أن أحدا لم يكن يعرف بموعدها. وفي الساعة الواحدة من صباح الإثنين، شاهد حسين التقارير الإسرائيلية التي تحدثت عن دخول الجنود الإسرائيليين للمخيم، وبعدها سمع المسيَرات أو الزنانات، واعتقد أنها “ستطلق النار” ثم حدث الانفجار.
تعيش عائلة شبلي في تسع شقق بثلاث بيوت مترابطة يملكها حسين وشقيقاه، وهم متعودون على المداهمات الإسرائيلية. وخلال دقائق، نزل أفراد العائلة الممتدة إلى الطابق الأرضي، وازدحم حوالي 50 شخصا في الأماكن المظلمة التي يستخدمها ابن أخ حسين، فادي، لكي يربي الببغاوات، حيث طارت عشرات الطيور وأخذت تصرخ وسط اندلاع المعارك في الخارج.
واستمعت العائلة طوال الليل ونهار الإثنين حيث أشعلت الشموع بسبب انقطاع التيار الكهربائي لما يجري، و”كان الأطفال مذعورين” كما قال حسين. إلا أن فادي الذي كان قلقا على زوجته الحامل وابنه الصغير البالغ من العمر 3 أعوام، بقي في قبو مزدحم بالطابق الثاني، حيث راقب الأحداث في الخارج من نافذة صغير بالحمام.
ولأن مجمع شبلي واقع على رأس شارع منحدر، فقد كان يطل على المخيم، وكان يمكنه رؤية حركة الجنود الإسرائيليين، وأخبر الجيران بعضهم حول الوضع. ويتذكر فادي قائلا: “إنهم يتحركون نحو شارع يافا” و”يداهمون بيت ابن عمك”. وفي الساعة الحادية عشرة صباحا، تلقى مكالمة “فادي إنهم قادمون إليك”، وسمع ضربة في الطابق السفلي أدت لفتح بابين معا مرة واحدة، حيث تحطمت حلقاتهما وتدفق 12 جنديا يرتدون الستر الواقية ومعهم مصابيح أمامية.
ووقف فادي حاملا ابنه الباكي وزوجته الحامل متمسكة به، حيث قال: “شوية شوية، في صغير هون”، وقال قائد الجنود بالعربية “هويتك” و”أين الإرهابيين؟” وأطفأ الجنود الشموع وقيّدوا فادي بقيد بلاستيكي، وأمروا الثلاثة بالتحرك نحو غرفة المعيشة. وراقبت عائلة فادي عبر الباب المفتوح ما فعله الجنود الذين كانوا يفتشون في الخزائن، وقام أحدهم بإطلاق النار من المطبخ حيث ملأ أرضيته ببقايا الرصاص.
وصرخ فادي “لو سمحتم، الولد خائف”. وفي الطابق الأرضي شعرت العائلة بالفزع بعد توقف فادي عن الرد، وظنوا أنه مات، كما قال حسين وبدأت النساء بالصراخ والعويل. وطلبت زوجة فادي دمية للولد الخائف، وعندما سُمح لها بفتح خزانة مليئة بالحافلات والسكوترز، شاهد جندي رشاشا بلاستيكيا وشتم فادي وضربه بعقب البندقية على كتفه ودفعه إلى غرفة المعيشة. وطلبوا الذهاب إلى العائلة في الطابق الأرضي، لكن القائد رفض، وتذكر قوله إنهم سيغادرون قريبا.
وعند منتصف الليل، سمع فادي صوتا بالمكبر “اخرجو اخرجوا، أمان”. في الخارج حاول مَن في الطابق الأرضي جمع الوثائق والحفاضات وخرجوا إلى ساحة الدار حيث وجدوا سيارة إطفاء وفريق الهلال الأحمر الذي قام بقطع قيد فادي. ونصح أحد أفراد الدفاع المدني الجميع بالسير معا كجماعة مع النساء والأطفال لتجنب إطلاق النار. ومضوا في طريقهم بالأزقة المليئة بالأسلاك الكهربائية، وبدا الشارع محروثا مثل حقل زراعي، حيث فجرت الجرافات الإسرائيلية عمدا قنابل زرعت في الرصيف.
وفي خارج المخيم، توزعت العائلة على بيوت الأقارب، فيما راقب حسين التلفزيون، وشاهد في نهاية الثلاثاء تقريرا عن صاروخ محمول على الكتف ضرب مسجد عبد الله عزام في حيه. وقال: “رأيت أن المسجد لم يصب ولكن بيتنا” و”شاهدت على التلفاز النار تأكل بيت ابني”. وكان لا يزال يحترق عندما عاد إليه صباح الأربعاء بعد خروج القوات الإسرائيلية، أما شقة فادي فقد كانت مليئة ببقايا الرصاص.
وقال حسين إنه لم يكن هناك أي داع لاستهداف بيت العائلة، لأن أحدا منهم لا علاقة له بالمسلحين أو من المطلوبين. وقال: “نحمل تصاريح للعمل في إسرائيل، ويعرفوننا جيدا”، حيث عمل حسين جنبا إلى جنب مع اليهود الإسرائيليين في فريق الالتزام بطعام الكوشير بقيادة حاخام والذي يفحص حالة الحيوانات.
ولم يرد الجيش الإسرائيلي للتعليق، حول سبب استهدافه بيت عائلة شبلي. وفي يوم الجمعة عادت الحياة إلى طبيعتها في البيت، وطلبت الأمم المتحدة تبرعات بـ15 مليون دولار ولكن حسين متشكك، “نسمع عن المال في الأخبار ولكننا لا نراه أبدا”، ولن يتغير أي شيء، وستظل جنين فقيرة وسيعود الجيش من جديد، “قالوا إنهم سيقضون على المقاومة في جنين، لكنهم لن يستطيعوا”.
المصدر: صحيفة واشنطن بوست الأميركية
ترجمة: صحيفة القدس العربي