قال النائب البريطاني، كريسبين بلانت، إن مشروع القانون الذي تقترحه الحكومة لحظر مقاطعة “إسرائيل” معاد للحرية وللأولوية المحلية وللإنصاف ولسياستها الخارجية.
واعتبر النائب بلانت في مقال له بمدونة “ConservativeHome” التي تدعم حزب المحافظين أن مشروع القانون المعادي لحركة “بي دي إس”، والذي يشمل المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات، يعد نموذجاً جلياً لمدى انعدام الثبات في قيمنا.
وشدد على أن الظروف التي تتجه فيها الحكومة البريطانية نحو تحصين “إسرائيل” من الانتقاد تعد الأكثر سوءا، حيث تسعى لندن إلى إجبار المؤسسات العامة على التواطؤ مع السياسة الإسرائيلية في المناطق التي تحتلها بشكل غير قانوني.
ومشروع القانون يلزم السلطات المحلية بعدم اللجوء إلى تنظيم حملات مقاطعة أو سحب استثمارات أو عقوبات مباشرة أو غير مباشرة من تلقاء نفسها ضد بلدان أجنبية.
ويستهدف مشروع القانون بالذات حركة “بي دي إس”، ولكن ستكون له تداعيات واسعة النطاق، إذ إنه أشبه بمن يلجأ إلى مطرقة كبيرة لكسر حبة من الجوز.
وتاليا نص مقال النائب كريسبين بلانت:
خلال ستة وعشرين عاماً قضيتها عضواً في البرلمان، لاحظت ما لا يحصى عدده من التحولات السياسية الكبيرة. ولكن بالنسبة لحزب المحافظين، فإن مشروع القانون المعادي لحركة بي دي إس (المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات عليها) يعد نموذجاً جلياً لمدى انعدام الثبات في قيمنا. يسمى رسمياً، وبشكل لا تشوبه شائبة، النشاط الاقتصادي للكيانات العامة (قضايا الخارج)، ولكن هذا العنوان السخيف والمبتذل يغطي على المضامين الحقيقية لمشروع القانون.
بما يتضمنه من عدوان على الحريات الفردية والمبادئ الديمقراطية والقانون الدولي، يأتي مشروع القانون ليشكل عدواناً صارخاً على قيمنا نحن. كثير من الزملاء أدركوا حقيقته ولسوف يعارضونه بكل ما أوتوا من قوة أثناء عرضه على البرلمان. كان مايكل غوف يظن أنه لربما وجدت حفنة ضئيلة من المتمردين، ولكن بوجود ثمانين عضواً برلمانياً من حزب المحافظين على استعداد لشق الصف فإن تصاعد المعارضة بات ملموساً.
ومشروع القانون هذا يلزم السلطات المحلية بعدم اللجوء إلى تنظيم حملات مقاطعة أو سحب استثمارات أو عقوبات مباشرة أو غير مباشرة من خلال تلقاء نفسها ضد بلدان أجنبية. يستهدف مشروع القانون بالذات حركة بي دي إس، ولكن ستكون له تداعيات واسعة النطاق، إذن إنه أشبه بمن يلجأ إلى مهدّة كبيرة لكسر حبة من الجوز.
والأسوأ من ذلك أن حبة الجوز التي يراد كسرها حركة مشروعة، إنها حملة مناهضة للعنصرية يقودها فلسطينيون، يتم استهدافها دون وجه حق، وتوصم بمعاداة السامية لمجرد أنها تنتقد احتلال إسرائيل العسكري غير المشروع، والمستمر منذ 56 عاماً، وما يمارسه الإسرائيليون من تنكيل بالفلسطينيين. وعلى الرغم من أهمية حركة بي دي إس، فإنه كان هناك إجماع مذهل بين النواب من كافة الأحزاب فيما جرى من نقاش بالأمس. فكثيرون يسعدهم مناقشة مسألة الحريات المدنية ولكنهم يرفضون تحدي الأكاذيب التي تفترى على بي دي إس، للنيل منها وتلطيخ سمعتها.
سوف يعني مشروع القانون أن المجلس المحلي الذي يرغب في تجنب إنفاق المال العام، ومدخرات التقاعد الخاصة بالعاملين فيه، على شراء البضائع من بلد يرون أنه ينتهك حقوق الإنسان، لا يمكنهم أن يفعلوا ذلك. بل سوف يفرض عليهم التعامل مع بلدان لديها سياسات لا تنسجم مع قيمهم.
وهذا يقوض مبدأ التمثيل الديمقراطي المحلي، ويفضي فعلياً إلى مركز السلطة في وايتهول وينقل صلاحيات المجالس المحلية إلى ويستمنستر. وهذا يعني أن حزبنا، الحزب الذي يؤمن بالدولة الأصغر، سوف يقرر أن بإمكان أي كيان عام، من المجالس المحلية إلى الجامعات، التفكير باتخاذ إجراءات ضد أي سلطات خارجية فقط إذا كانت واردة ضمن قائمة الحكومة المركزية.
والمرعب في الأمر أن ثمة “بند إسكات”. وذلك لا يكتفي بمنع الموظفين العاملين في المشتريات في المؤسسات العامة من التعبير علانية عن تأييدهم للمقاطعة، بل إن هناك أيضاً ما يشبه القفل المضاعف، بحيث لا يمكن للموظفين حتى القول إنهم نظرياً كانوا سيدعمون المقاطعة لو كانت قانونية.
إن الحزب الذي انضممت إليه شعاره هو شعلة الحرية، وحماية الحرية الشخصية هي واحدة من أهم المبادئ التي يقوم عليها حزب المحافظين. وكان من ضمن الأسس التي تقوم عليها منظومتنا العقائدية أن الأفراد يسمح لهم بالتعبير عن ما يجول في خاطرهم، بدون تحريض على الكراهية، وأن لهم حق إنفاق أموالهم كما يشاءون، والمضي قدماً في حياتهم دون تعقيد. ويقوض “بند الإسكات” هذا كل هذه الحقوق والمسؤوليات لصالح رؤية تفرضها الحكومة المركزية.
لقد شغلتني قضية إسرائيل وفلسطين منذ أول زيارة قمت بها لإسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة في عام 1983، بينما كنت طالباً أدرس السياسة في الشرق الأوسط في الجامعة وأثناء أدائي للخدمة العسكرية. وفي عام 1994، رافقت مالكولم ريفكند، كأول وزير دفاع بريطاني يزور إسرائيل بوصفي مستشاراً خاصاً له عندما كان وزيراً للخارجية.
كنت قد ترأست لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان خلال الفترة من 2015 إلى 2017. وبالأمس، أثناء النقاش الذي دار حول مشروع القانون، أثارت الرئيسة الحالية للجنة، أليسيا كيرنز، نقطة ممتازة حين قالت إن التشريع الذي يقصد به بلد بذاته يقوض سياستنا الخارجية.
وهي محقة تماماً في ما ذهبت إليه. فقد منحت الحكومة نفسها الحق في إعفاء بلدان معينة من هذا التشريع، بينما يمنح بند إضافي فيه إسرائيل حماية دائمة من أي محاولة من قبل هذه الحكومة أو أي حكومة مستقبلية لإعفائها منه، إلا إذا تم الحصول على موافقة محددة على تعديل القانون من قبل البرلمان. وبذلك تكون إسرائيل البلد الوحيد في العالم الذي يتمتع بهذه الحصانة الدائمة.
من السخف أن يصر الوزير المكلف بمشروع القانون على أنه مجرد إجراء محلي، وأنه لن تكون له أي مضامين تؤثر على السياسة الخارجية، لكن واقع الأمر أن التهديد بالمقاطعة يعتبر أداة في السياسة الخارجية، وما من شك في أن هذا القانون ينزع منا القدرة على القيام بذلك. في حال معظم البلدان، يقطع مشروع القانون وتراً في قوس سياستنا الخارجية، أما في حال إسرائيل فإنه يكسر القوس من المنتصف – إذ يلغي دور المجتمع الأكبر في التعبير عن أي امتعاض أو اعتراض، ولا أقل من ذلك حينما تكون الحكومة عاجزة، حتى وإن صرحت بما هو صواب، عن القيام بأي إجراء عملي لإنفاذ القانون وخدمة العدالة.
بل إن المثير في الأمر هو توقيت منح إسرائيل هذا الوضع المميز والفريد، وذلك إذا ما أخذنا بالاعتبار آراء ومواقف الحكومة الإسرائيلية الحالية. فمنذ ديسمبر (كانون الأول) 2022، يمسك بزمام الأمور في إسرائيل ائتلاف حاكم يميني متطرف، يتضمن غلاة المستوطنين، وهؤلاء ما لبثوا منذ ذلك الوقت يسيئون استخدام السلطة التي وصلوا إليها. ولا أدل على ذلك من أن اللغة المريعة والتحريضية التي تصدر عن الوزراء المتطرفين مثل إيتامار بن غفير وبيتسلئيل سموتريتش، الذي لا يحتل فقط منصب وزير المالية وإنما يتولى الآن المسؤولية عن إدارة الاحتلال، قد جرأت المستوطنين الإسرائيليين على ممارسة المزيد من العنف ضد الفلسطينيين.
وإذ نتحدث عن التوقيت، فإن من المقلق جداً أن نضطر إلى الدفاع عن حق الفلسطينيين في الاحتجاج السلمي بينما تقوم إسرائيل بشن هجوم جوي وبري واسع النطاق على جنين. ففي طريقي إلى البرلمان بالأمس شاهدت مقاطع فيديو للهجمات الصاروخية التي شنت على المخيم. لا ينبغي أن يكون التنديد بهذا العمل محل خلاف، وكذلك لا ينبغي أن يكون موضع خلاف تأييد “بي دي إس” أو التضامن مع الشعب الفلسطيني بكل عام.
أي لحظة هذه، والأمور لم تزل منذ زمن طويل في غاية السوء بل وتزداد الآن سوءاً بدلاً من أن تتحسن، وتتوجه فيها الحكومة نحو تحصين إسرائيل ضد الانتقاد وتسعى إلى إجبار المؤسسات العامة على التواطؤ مع السياسة الإسرائيلية في المناطق التي تحتلها بشكل غير قانوني.
والأسوأ من ذلك كله أن البند الذي يعفي إسرائيل يعفي أيضاً مرتفعات الجولان والمناطق الفلسطينية المحتلة، وهذا يتناقض مع الغايات المعلنة على مدى عقود للسياسة الخارجية البريطانية، والتي لم يزل يعبر عنها أعضاء البرلمان في جانبي المجلس.
إنها خطوة غير مسبوقة، وهي خطوة تفضي برعونة واضحة إلى إقرار ضم الأراضي المسروقة. وفي الوقت الذي يزداد المستوطنون فيه جرأة بتحفيز من حكومتهم المتطرفة، ها نحن نقترح سكب الزيت على النار بتشجيع من هذه الحصانة التشريعية.
يُزعم أن الغاية من مشروع القانون هذا هي معالجة مشكلة معاداة السامية، إلا أن الإعفاء الخاص الذي يمنح لإسرائيل وللمناطق التي تحتلها بشكل غير قانوني من مشاركة الجمهور العام في ممارسة حقه في فرض العقوبات كأداة للرد على الانتهاكات الصادمة والسافرة التي ترتكب بحق القانون الدولي من شأنها أن تعزز الإحساس بالظلم.
لا ريب أن المجتمع اليهودي يشهد انقساماً حاداً وعميقاً بشأن السياسة التي تنتهجها الحكومة الإسرائيلية الحالية، ولذلك فإن الزج بموقف الجمهور العام بين إسرائيل والمجتمع اليهودي العالمي يعني أن مشروع القانون سيؤدي لا محالة إلى تعميق معاداة السامية داخل مجتمعاتنا. ناهيك عن أننا لم نستمع إلى الطلاب اليهود وإلى المجموعات الشبابية اليهودية. وكيف للحكومة أن تدعي أنها تعرف ما هو الأفضل بالنسبة لليهود دون أن تسمع منهم أو تستمع إليهم.
لطالما ترافقت المطالبة بتحقيق العدالة للفلسطينيين مع قيمة الإنصاف التي يتباهى بها البريطانيون، وكذلك مع التعاطف الفطري مع المظلوم، وكلا هاتين القيمتين جزء أصيل من قيم وتوجهات حزبي. وباختصار، فإن مشروع القانون هذا مخالف لأعراف حزب المحافظين، بل هو كارثة بكل ما تعنيه الكلمة.
المصدر: موقع عربي 21