برغم محدودية التجربة، وضيق سبل التدريب العسكري، يقدّم المقاومون في مخيم جنين أداءً ميدانياً فاجأ قوات الاحتلال، التي زجّت بلواء عسكري كامل في عملية قُدّر أنها بحاجة إلى ما لا يزيد عن 48 ساعة لإنجازها. ظهر أمس، أعلنت «كتيبة جنين» التابعة لحركة «الجهاد الإسلامي»، أن مقاوميها تمكّنوا من الالتفاف خلف خطوط العدو الذي يحاول اقتحام المخيم عبر حارة الدمج – الطريق الذي يقود إلى القلب -، وباغتوا جنود وحدة النخبة الإسرائيلية الخاصة «لوتر»، وأمطروهم بوابل من الرصاص. وكان اللافت أن المجموعة التي نفذت العملية، انقسمت إلى قسمين: الأول استطاع الانسحاب بسلام؛ فيما الآخر كمن في منطقة كاشفة على نقطة الهدف، وبادر قوة النخبة التي حاولت إنقاذ المصابين، برشقات مكثّفة من الرصاص. كذلك، نفّذ المقاومون، في اليوم الأول من الهجوم، كميناً محكماً قرب مسجد الأنصار.
وبحسب معلومات ميدانية، فإن مقاومي «كتيبة جنين»، بمشاركة باقي فصائل المقاومة، تمكّنوا من استدراج قوة إسرائيلية مؤلّلة إلى شرَك ناري معدّ سلفاً. وعقب تفجير عدد من عبوات «تامر» و«طارق» – نسبة إلى الشهيدين تامر نشرتي وطارق الدمج -، فتح العشرات من المقاومين النار تجاه جنود الاحتلال طوال خمس ساعات، دارت خلالها في المنطقة مواجهات عنيفة، ظنّ الاحتلال أنه يطبّق من خلالها تكتيك «طنجرة الضغط»، ويحاصر نحو 10 من المقاومين في داخل المسجد. لكن الساعات اللاحقة كشفت أن عناصر المقاومة استطاعوا، وفق مصدر في الكتيبة تحدّثت معه «الأخبار»، «تنفيس طنجرة الجيش، واستخدام خطّ انسحاب عبر نفقٍ أرضي أعدّ سلفاً لهذه المهمة».
وتخبر تكتيكات المقاومين في مخيم جنين، عن تجهيز ودراسة لمعطيات الميدان، وتوظيف مثمر للهندسة المكانية للمخيم، ساهم بعد أكثر من 48 ساعة من بدء الهجوم، في عرقلة عجلة الآليات التي لا تزال حتى وقت كتابة هذه السطور «تعافر» على أطراف حارة الدمج. وبحسب مصدر في «كتيبة جنين»، فإنه «منذ بدء الهجوم، وحتى عصر أمس، أفشلنا ثلاث محاولات لاقتحام المخيم من محور الدمج (…) امتصّ المقاومون صدمة استخدام الطائرات المسيّرة والحربية، والتهديد المستمر بإدخال دبابات الميركافا، وواصلوا العمل بأعصاب باردة». وكان جيش الاحتلال مارس، مساء أوّل من أمس، أعلى مستويات الضغط على المقاومين، حينما طالب العائلات وأهالي المخيم بالانسحاب، وفتح مخرجاً بإشراف «الصليب الأحمر»، بدا الهدف منه تفريغ المخيم من سكانه، بهدف إطلاق اليد لاستخدام القوة النارية المفرطة، وتحديداً في المفاصل العصية على الاقتحام البرّي. غير أن استجابة الأهالي انحصرت في حدودها الدنيا؛ إذ لم يغادر المخيم، وفق مصادر ميدانية، سوى 25% من سكانه، فيما رفضت جلّ العائلات ترك أبنائها المقاومين. وعلى خلفية ذلك، قطعت قوات الاحتلال التيّار الكهربائي عن مناطق واسعة من المخيم، وبادرت إلى إطلاق الرصاص على خزانات المياه الموجودة على أسطح المنازل. على أن كلّ تلك الإجراءات التي هدفت إلى مضاعفة حالة الإنهاك الجسدي والمعنوي لعناصر المقاومة، تمهيداً لتنفيذ عملية اقتحام كبرى صبيحة اليوم التالي، فشلت في تحقيق أيٍ من أهدافها؛ إذ واصل المقاومون تنفيذ عمليات تفجير العبوات وإطلاق الرصاص، في محاور الجواشين والجابريات والهدف، فيما بدا واضحاً وسط هذا كلّه أن جيش الاحتلال بالغ في تضخيم المنجزات الميدانية، مستخدماً مصطلحات عسكرية من مثل «مصانع العبوات، مخازن السلاح، الحواجز الحديدية، غرف القيادة والسيطرة»، وهو ما لا يتناسب مع بساطة الإمكانات العسكرية والتجهيزات الميدانية على الأرض على المقلب الفلسطيني.
ووفقاً لمصدر في «كتيبة جنين»، فإن العدو تفاجأ من التكتيك القتالي الذي أعدّ سلفاً، كما مُني بفشل استخباري في بداية العملية؛ إذ أعلن في اللحظة الأولى من الهجوم، أنه تمكّن من استهداف عدد كبير من المقاومين، خلال اجتماع عسكري مع قيادة الكتيبة، غير أنه استند في تنفيذ عمليته تلك إلى معلومة مضلّلة، ثمّ بوغت لاحقاً بـ«أنّنا أعددنا مجموعة من الأنفاق وطرق الانسحاب والهجوم الخفية، على طريقة المقاومة في غزة (…) حتى اللحظة، لم يحقّق العدو أياً من أهدافه، لم ينل من العدد المشتهى من المقاومين، ولم يكسر إرادة القتال، ولم يقضِ على قيادات الكتيبة»، كما يؤكد المصدر.
يوسف فارس
المصدر: صحيفة الأخبار