من “الحاج، ممثل سينمائي” إلى طبيب مزوّر… الأرمني الذي أسس للسينما الإيرانية

Spread the love
image_pdfimage_print

عدّ الإيرانيون دخول أول آلة تصوير (سينماتوغراف) إلى بلادهم، والتي ابتاعها الملك مظفر الدين شاه القاجاري من فرنسا عام 1900، بدايةَ تاريخ السينما الإيرانية. ومنذ تلك اللحظة إلى ثلاثة عقود لم تنتج إيران فيلماً سينمائياً، بل كانت تكتفي بعرض الأفلام الأجنبية.

وكانت بداية إنتاج الأفلام الإيرانية مع أوفانيس أوهانيان، الشخصية التي احتكرت الوظائف السينمائية الأولى؛ فهو أول مخرج سينمائي، أول منتج، أول كاتب سيناريو، ومؤسس أول مدرسة تمثيل سينمائية؛ أدوار حوّلته إلى رمز للسينما الإيرانية.

وُلد أوفانيس أوهانيان (Ovanes Ohanian)، وهو أرمني الأصل، في 1896، في مدينة عشق آباد، التي كانت ضمن الإمبراطورية الروسية آنذاك، وعاصمة جمهورية تركمانستان اليوم، الواقعة على الحدود الشرقية لإيران، وقيل أيضاً إنه وُلد في مدينة مشهد، شمال شرق إيران.

ثمة

حكايات غريبة وأعمال عجيبة قام بها الفنان طوال حياته، وقد نقل قصة حياته الشخصية والمهنية بتفاصيلها، الكاتب الإيراني كريم نيكو نَظَر، في كتابه “رجلنا في بوليوود”، وما يهمنا هنا هو أثره الكبير في بداية إنشاء السينما الإيرانية، التي صارت اليوم تحظى بشهرة عالمية.

تدلنا المصادر المتبقية من لقاءاته الصحافية على أنه تخرّج عام 1919 من كلية التجارة في مدينة طشقند، الواقعة آنذاك في الاتحاد السوفياتي، وفي عام 1920 درس القانون في مدينة عشق آباد، وفي عام 1925 تخرج من مدرسة موسكو للأفلام.

ومع تواجده في الاتحاد السوفياتي للدراسة، يمكن أن نقول إنه شاهد الأفلام الروسية في تلك الحقبة المزدهرة من السينما الروسية. ومن ثم دخل العاصمة طهران عام 1929، دون أن يعرف اللغة الفارسية، وسرعان ما أتقنها.

أول مدرسة تمثيل

لا نعرف سبب مجيء أوفانيس إلى إيران، إلا أنه بعد وصوله قام بإنشاء مدرسة التمثيل السينمائي، ونشر دعايةً في صحيفة “اطلاعات”، تفيد بأن على الراغبين التسجيل في مكتب المدرسة الواقع في شارع علاء الدولة، وسط العاصمة.

كانت صفوف دورات التمثيل التي تمتد لنحو 5 أشهر، تضم وفقاً للإعلان المنشور وقتها:

1- مهنة التمثيل حسب أحدث نظام تمثيلي أمريكي. 2- التصوير الفوتوغرافي. 3- التقنيات السينمائية. 4- الحركات البهلوانية. 5- الرياضة السويدية. 6- رقص الباليه. 7- الرقص الشرقي. 8- الرقص الأوروبي.

بعد إكمال الفصل الأول عام 1930، أقام أوفانيس حفل تخرّج شارك فيه نواب البرلمان وأفراد من طبقة النخبة، ونشرت الصحف والمجلات تقريراً ذكر أن الممثلين الجدد أظهروا ما تدربوا عليه طوال الفصل، أمام الجميع، من تمثيل ورقص وحركات رياضية.

أول فيلم

بعد تخرّج الدفعة الأولى من الممثلين، اختار أوفانيس ستة أشخاص من الخرّيجين، وقام بإخراج أول فيلم سينمائي إيراني صامت، تحت عنوان “آبي ورابي”. كان الفيلم كوميدياً مستوحى من السينما الدنماركية، وقد شاهده الإيرانيون مراراً في دور السينما.

وتم عرض أول فيلم إيراني في اليوم الثاني من كانون الثاني/يناير عام 1931 في دار سينما “ماياك”، ليلقى إقبالاً واسعاً من قبل الجمهور، وذكرت بعض المصادر أن الفيلم حقق أرباحاً تعادل 12 ضعف تكلفته. ولم يُعثَر على نسخة من فيلم “آبي ورابي” في أرشيف السينما الإيرانية، بسبب احتراق دار السينما تلك بعد عامين من عرض الفيلم.

“الحاج، ممثل سينمائي”

بعد نجاح الفيلم الأول، بدأ الفصل الثاني من مدرسة التمثيل، وبعد عام من التدريب، تخرّج نحو 18 ممثلاً، بينهم فتاة واحدة، هي زُوما أوهانيان بنت المخرج أوفانيس. حينها بدأ المخرج، في منتصف عام 1932، بتصوير الفيلم الثاني الصامت وكان عنوانه “الحاج، ممثل سينمائي”.

كان الفيلم كوميدياً يتناول حكاية رجل محافظ يحمل شكوكاً تجاه الصناعة السينمائية، وفي نهاية الفيلم يدرك أهميتها. تم عرض الفيلم عام 1933، ولكن بسبب مشكلة تقنية أثّرت على جودته لم ينجح في كسب الجمهور، كما أنه تزامن مع عرض أول فيلم إيراني ناطق.

تحتفظ إيران، بالنسخة الوحيدة المتبقية من فيلم “الحاج، ممثل سينمائي”، في أرشيف السينما الوطنية الإيرانية.

بعد فشل فيلمه الثاني، لم يجد أوفانيس أوهانيان، الدعم الكافي لاستمرار مسيرته، فقرر أن يترك إيران ويسافر إلى الهند، ليستقر في مدينة كلكتا ويتعلم الطبّ هناك، وبعد عقد عاد إلى طهران من جديد سنة 1947.

عرّف إوفانيس بنفسه هذه المرة بـ”البروفيسور أوهانيان”، وفتح صالةً للتجميل في شارع “نادري” الشهير في طهران، وقام بعلاج الصلع عبر دواء كيمياوي، وبعد فترة وجيزة قام مرضاه بتقديم شكوى ضده، وقامت وزارة الصحة بالتحقيق في الشكوى ليتبين لاحقاً أنه لم يحصل على شهادة أكاديمية في مجال الطب، وسرعان ما كتب الفنان رسالةً إلى الشاه طلب منه فيها التدخل لئلا يعاقَب، مستشهداً بخدماته التي قدّمها للسينما الإيرانية، وبالفعل وافق الملك.

عودة من جديد

لم تخرج السينما من مخيلة أوفانيس أوهانيان، ولم يكن قادراً على الابتعاد عنها، فعاد مجدداً وكتب سيناريو فيلم “سَوار سفيد” (الفارِس الأبيض)، ولكن لم يفلح في استكماله. ثم كتب سيناريو فيلم “انقلاب 1299″، بيد أنه لم يحوّله إلى فيلم.

عانى الفنان من الموت الفني، وتحطمت نفسيته، وبعد 7 سنوات من عودته من الهند، توفي في طهران عن عمر ناهز الـ64 عاماً، ودُفن في مقبرة الجالية الأرمنية هناك.

“أعتقد أن أهم ظاهرة في السينما الإيرانية منذ بدايتها حتى اللحظة، هي حضور أوفانيس أوهانيان، ولو لم تحدث بعض المشكلات في طريقه، لحوّل السينما الإيرانية إلى شيء آخر. فيلمه ‘الحاج، ممثل سينمائي’، ما زال حديثاً من حيث الموضوع، وله قيمته الفنية والفكرية والجمالية برغم مرور 70 عاماً عليه”، هكذا وصفه الناقد والمدرّس السينمائي خُسرو دِهقان، عام 2004.

أثر الأرمن في السينما الإيرانية

ويكمل الناقد دِهقان حديثه حول إخراج أول فيلم سينمائي: “ما قام به أوفانيس يدلّ على أنه كان عارفاً بأهمية العمل الجماعي في السينما. كما أنه اهتمّ كثيراً بالتقنيات وبالنص وبالتصوير. لقد عرف ضرورة وجود الاستديو وفريق العمل. كما أنه أدمج الفن بالثقافة، وعلينا أن نشكر الأرمن على دورهم في السينما الإيرانية فرداً فرداً”.

انشغل مئات الأرمن رجالاً ونساءً في الكثير من الشؤون السينمائية كالتصوير والصوت والمونتاج والإنتاج والموسيقى والتمثيل والكتابة والإخراج وإدارة دور السينما، منذ اللحظات الأولى من انطلاق السينما في إيران وحتى يومنا هذا، إذ ما زالوا يتفننون في حقل الفن السابع.

منذ أن قرر الشاه عباس الصفوي قبل 400 عام، أن يرحّل مجموعةً من الجالية الأرمنية من موقع سكنهم في شمال غرب البلاد إلى عاصمته أصفهان وسائر المدن الإيرانية، ساهم هؤلاء في تطوير الفنون في بلاد فارس، بدءاً من فن الرسم والعمارة، وصولاً إلى المسرح والموسيقى والسينما. وكانت إيران في عهد الصفويين يمتد حكمها إلى جزء من أراضي أرمينيا، الواقعة في شمال غرب البلاد.  

أمير جابر

المصدر: موقع رصيف 22