معهد واشنطن: أزمة “فاغنر” لم تغير وضع روسيا ومكانتها بالشرق الأوسط وأفريقيا

Spread the love
image_pdfimage_print

بينما بدأت الأمور تهدأ في أعقاب المواجهة بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وزعيم مجموعة “فاغنر” يفغيني بريغوجين، يتساءل العديد من المراقبين عن ما إذا كانت هذه المواجهة ستؤدي إلى ترتيبات جديدة بين وزارة الدفاع الروسية وقوات الشركة العسكرية الخاصة المنتشرة في جميع أنحاء العالم.

وبالرغم من أنه قد يكون للأزمة عواقب وخيمة على عمليات موسكو في المنطقة، فإن تقريرا لمعهد واشنطن للدراسات يرى أن عمليات الانتشار الروسية في الشرق الأوسط لم تتأثر حتى الآن.

وخلص التقرير إلى أن تلك الأزمة لم تغير وضع موسكو ومكانتها في الشرق الأوسط وأفريقيا.

التداعيات على سوريا

بدأت تداعيات الأزمة تظهر في سوريا، مع صدور تقارير متعددة عن حدوث توترات ومواجهات بين مجموعة “فاغنر” وموظفي وزارة الدفاع. فقد اعتقلت القوات الروسية بعض القادة التابعين لـ “فاغنر” وداهمت مكاتب المجموعة في أنحاء متفرقة من سوريا. وفي غضون ذلك، التقى نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي فيرشينين، برئيس النظام السوري بشار الأسد في 26 حزيران/ يونيو، وحثه وفقاً لبعض التقارير على منع قوات المجموعة من مغادرة البلاد من دون موافقة وزارة الدفاع.

وعلى ما يبدو، فإنه تم سحب بعض أفراد مجموعة “فاغنر” إلى مركز العمليات الروسي في قاعدة حميميم الجوية في غرب سوريا.

ومع ذلك، فلا يزال الوضع العام هادئاً، ولا تزال مجموعة “فاغنر” منتشرة في المناطق الغنية بالموارد حيث تسيطر قوات الأسد ظاهرياً ولكنها تعتمد على المساعدة من وحدات الجيش والشرطة الروسية. وتشمل هذه المناطق أكبر حقول الغاز الطبيعي والنفط في سوريا (الشاعر والمهر وجزال وحيان)، حيث تشير بعض التقارير إلى أن مجموعة “فاغنر” استخدمت شركة وهمية تُدعى “إيفرو بوليس” للحصول على ما يصل إلى ربع أرباح الإنتاج. ويبدو أن نظام الأسد منح “فاغنر” هذه الحصة لأن المجموعة استعادت السيطرة على الحقول من تنظيم “الدولة الإسلامية” واستمرت في حمايتها من غارات المعارضة. ومن شأن أي تغييرات في هذا الترتيب كشف الكثير عن ميزان السيطرة الروسية في سوريا.

وتُطرح أسئلة مهمة أيضاً حول مصير الأسلحة الثقيلة التابعة لـ”فاغنر” في سوريا، والتي تشمل الدبابات والمدرعات الأخرى وقاذفات الصواريخ.

وإذا وجهت أزمة “فاغنر” الوضعية العسكرية المحلية لروسيا بصورة أكثر حسماً لصالح قوات وزارة الدفاع، فقد يزيد ذلك من تعقيد الجهود الأمريكية الأخيرة لإدارة التحليق العدواني والغارات الوهمية من قبل القوات الروسية في جميع أنحاء شرق سوريا، ما قد يزيد من خطر المواجهات المباشرة.

مركز “فاغنر” الليبي

إذا تغيرت عمليات “فاغنر” في الخارج، فسيكون لذلك تأثير مباشر على أمير الحرب الليبي خليفة حفتر. فالجنرال الذي يتخذ شرق البلاد مقراً له يحظى بحماية شخصية من قوات “فاغنر”، كما تبين عندما أسقطت هذه القوات طائرة أمريكية بدون طيار من طراز “إم كيو-9” في محيطه في آب/ أغسطس الماضي (كانت الطائرة المسيّرة تقوم بأعمال المراقبة قبل زيارة مخططة للمبعوث الأمريكي الخاص).

وتساعد المجموعة حفتر في الإبقاء على سيطرته على منطقة النفط الرئيسية في ليبيا، حيث يهدد حلفاؤه السياسيون مجدداً بفرض حصار كوسيلة ضغط على “حكومة الوحدة الوطنية” التي تتخذ من طرابلس مقراً لها. بالإضافة إلى ذلك، تحتل “فاغنر” قاعدة الجفرة الجوية الاستراتيجية في وسط ليبيا، وتستخدمها كمركز لوجستي لعملياتها في أفريقيا (على سبيل المثال، إرسال الأسلحة والوقود إلى حميدتي في السودان).

وبدأ تقرّب روسيا من حفتر حوالي عام 2014، بعد فترة وجيزة من بروزه كلاعب رئيسي في منطقة بنغازي. وفي عام 2017، تمت دعوته للقاء مسؤولين عسكريين على متن حاملة طائرات روسية قبالة الساحل الليبي، كما أنه زار موسكو عدة مرات. وأسرعت مجموعة “فاغنر” إلى نجدته على وجه التحديد في 2019-2020، عندما حاولت قواته الاستيلاء على طرابلس. وبفضل قناصة المجموعة وأنظمة “بانتسير” المضادة للطائرات الخاصة بها، فقد تفوّق حفتر على خصومه على مستوى الطائرات المسيّرة التي كادت أن تجتاح سماء العاصمة حتى تدخلت تركيا في أوائل عام 2020.

ويرى التقرير أنه بغض النظر عن ما قد يحدث لهيكلية “فاغنر” وعملياتها، فإنه لا يزال لدى الكرملين مصلحة استراتيجية قوية في الحفاظ على وجود المجموعة في سوريا وليبيا من أجل إظهار قوته في الشرق الأوسط وأفريقيا. فروسيا لا تزال اللاعب الذي لا غنى عنه في سوريا، حيث مكّن دعم الأسد موسكو من الحصول على المعادن وموارد أخرى، وتأليب إيران وإسرائيل على بعضهما البعض، ومواصلة دور الوساطة في إطار الجهود الدولية الرامية إلى التوصل إلى تسوية سياسية.

وفي ليبيا، لا يمكن لروسيا الحفاظ على وجودها ما لم تقم بإدارة الفضاء السياسي بحنكة. ولكن إذا قامت بدمج قوات “فاغنر” ضمن وزارة الدفاع، فلن تكون قادرة على إنكار نشاطها في ليبيا. ولن يكون لنشر قوات وزارة الدفاع الرسمية في ليبيا تداعيات دولية فحسب، بل سيؤدي أيضاً إلى تأجيج المعارضة الشعبية في ليبيا، نظراً لأنه نادراً ما يمكن رؤية عناصر روس هناك اليوم.

ولكن، حتى لو أدت أزمة هذا الأسبوع على ما يبدو إلى إضعاف كل من بوتين ووزارة الدفاع الروسية وبريغوجين، إلّا أنه لم يُسجَل تغيير ملحوظ في وضع روسيا ومكانتها في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا حتى الآن، وقد لا يُسجَل أي تغيير وشيك. فموسكو استثمرت بكثافة في “فاغنر” لسنوات، وسيكون من الصعب استبدال وجودها في الخارج ببساطة على المدى القصير. ويتمثل السيناريو الأكثر ترجيحاً بتطور مجموعة “فاغنر” وغيرها من الشركات العسكرية الروسية الخاصة بدلاً من زوالها.

المصدر: معهد واشنطن للدراسات

ترجمة: موقع عربي 21