لا تزال قضية مقتل الشاب نائل برصاص الشرطة الفرنسية، تتفاعل بقوة في الجزائر. فبعد بيان الخارجية الجزائرية، أصدرت أغلب الأحزاب مواقف منددة، بعضها دعا صراحة للضغط من أجل حماية الرعايا الجزائريين في فرنسا، بينما أكدت عائلة الشاب المغدور في الجزائر أنها لن تسامح أبدا هذا الشرطي، وتطالب بالعدالة بعد الجريمة.
بكلمات مؤثرة، تحدث خال نائل المقيم في ولاية البليدة (40 كيلومترا غربي العاصمة)، عن علاقة الشاب القوية بالجزائر، ورغبته في زيارتها هذا الصيف، لولا هذا الحادث المأساوي الذي أنهى حياته وجعل كل العائلة تبكيه. وأبرز أن الشاب نائل كان محبوبا من قبل الجميع في حيّه، ولم يكن من المشاغبين أو أصحاب السوابق، حيث كان يملك دراجة نارية يقدم من خلالها خدمات التوصيل.
وشدد خال الضحية للقنوات التي تهافتت على بيته، أن العائلة تطالب العدالة، قائلا: “لن نسامح الشرطي الذي قتله.. لن نسامحه عند الله.. إنه مجرم.. لا أتهم كل الشرطة.. هناك رجال شرطة في فرنسا نزيهون.. ولكن أتهم من أطلق النار عليه.. لقد حاول الكذب بادعاء أنه كان يدهسه، بينما كان الطفل خائفا يرتعد في مقود السيارة وأطلق عليه النار من مسافة قريبة”.
وأضاف: “كان يحب الجزائر بجنون.. رغم أنه مولود في فرنسا وكبر هناك، إلا أنهم في كل مناسبة تخص الجزائر مثل مقابلات الكرة، يحملون الأعلام ويظهرون جزائريتهم.. حتى أنه كان مقررا أن يأتوا إلى الجزائر هذا الصيف”. وختم المتحدث بتوجيه رسالة للسلطات الجزائرية، قائلا: “أطلب من الجزائر حمايتهم (المهاجرون) لأنهم أولادها فهم وطنيون حتى النخاع”.
وجاءت ردّات الفعل في الطبقة السياسية الجزائرية منسجمة مع هذه الفكرة التي تعتبر الجزائر معنية بما يقع في فرنسا حاليا إذا ارتبط الأمر بمهاجريها أو من لديهم أصول تعود للبلد.
وقال حركة مجتمع السلم في هذا السياق، إنها تطالب “الحكومة الجزائرية بضرورة رعاية حقوق الجالية، والضغط لأجل تحقيق العدالة المستقلة في بلد الاستقبال”. واعتبرت الحركة أن التطورات التي صاحبت هذه الجريمة؛ واتساع دائرة الغضب وسط مختلف مكونات الجالية والشعب الفرنسي، هي انعكاس طبيعي لحجم الاحتقان والشعور بالتمييز والعنصرية وممارسات إشاعة الكراهية، نتيجة التوظيف السياسي لقضايا المهاجرين والجالية.
ولم يختلف موقف حركة البناء الوطني التي قالت: “نعتقد جازمين بأن جاليتنا في المهجر هي جزء لا يتجزأ من نسيجنا المجتمعي الوطني التي تقع علينا مسؤولية التضامن معه في كل وقت وحين، كما تقع مسؤولية الدفاع عنه على وزارة خارجيتنا”. وجددت الحركة التي يقودها مرشح رئاسي سابق، دعوتها للسلطات الفرنسية وغيرها “لتوفير حماية أفضل لجاليتنا واتخاذ المزيد من التدابير التي تحول دون ارتكاب تجاوزات بحقوقها واحترام مقدساتها”.
وقبل ذلك، أكد حزب جبهة التحرير الوطني، الأكبر في البرلمان الجزائري، أن فتح تحقيق جاد وصارم ومعاقبة الجناة سيكون السبيل الوحيد لإرجاع كرامة عائلة “نائل” ومن ورائه الجالية الجزائرية التي تتعرض لمعاملات ازدواجية، تحيلنا إلى شعارات المساواة والحرية التي تتغنى بها النخب الفرنسية دون أثر على واقع جاليتنا. وشدد الحزب على وقوفه مع الجالية الجزائرية في التمتع بحقوقها كاملة غير منقوصة في ظل القوانين والمعاهدات السارية بين البلدين.
وكانت الخارجية الجزائرية قد أصدرت رد فعل غير مسبوق على هذا المستوى بعد جريمة مقتل نائل، حيث ذكرت أنها “علمت بصدمة واستياء بوفاة الشاب بشكل وحشي ومأساوي والظروف المثيرة للقلق بشكل لافت التي أحاطت بحادثة الوفاة”، وأبرزت أن “الحكومة الجزائرية لا زالت تتابع باهتمام بالغ تطورات هذه القضية المأساوية، مع الحرص الدائم على الوقوف إلى جانب أفراد جاليتها الوطنية في أوقات الشدائد والمحن”.
وعلى الرغم من تأكيد الخارجية على ثقتها في أن “الحكومة الفرنسية ستضطلع بواجبها في الحماية بشكل كامل من منطلق حرصها على الهدوء والأمن اللذين يجب أن يتمتع بهما مواطنونا في بلد الاستقبال الذي يقيمون به”، إلا أن مجرد إصدارها بيانا حول الحادثة اعتبرته أوساط اليمين الفرنسي تدخلا غير مقبول في شأن فرنسي داخلي، وانبرى صقور اليمين في تقديم تأويلات تحاول إثبات نظرياتهم في ولاء المهاجرين لبلدهم الأم وليس لفرنسا التي يحملون جنسيتها.
ومن هؤلاء، اليميني المتطرف إيريك زمور، زعيم حزب الاسترداد، الذي استغل بيان الخارجية الجزائرية ليهاجم الرئيس إيمانويل ماكرون، ويعتبر أنه أصبح يتلقى الإهانات من الجزائر. وزعم زمور أن إصدار الخارجية الجزائرية موقفا بخصوص نائل، يشير إلى أنها تعتبر المحتجين مواطنين تابعين لها، وهو ما يشير بحسبه إلى أن الضواحي الفرنسية صارت جيوبا أجنبية داخل الجمهورية الفرنسية.
أما جوردان بارديلا، قائد حزب التجمع الوطني الذي أسسته مارين لوبان، فقال إنه إذا كانت الحكومة الجزائرية قلقة على رعاياها فما عليها سوى استعادتهم. وخارج هذه التيارات التي تعودت على مهاجمة الجزائر، لم تصدر الحكومة الفرنسية تعليقا حول البيان الجزائري.
المصدر: صحيفة القدس العربي