يطوي أسطول ناقلات النفط الروسية المتهالكة صفحة سوداء مع صناعة الشحن البحري، في أعقاب تطعيمه بسفن ذات أعمار صغيرة، وهو ما يبشر بمطابقة تلك السفن لصلاحية الإبحار.
وزاد استعمال الناقلات القديمة في تصدير النفط الروسي، بمعدل الضعف منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية؛ ما أثار الهلع بشأن معايير السلامة البشرية والبيئية في قطاع الشحن البحري، بجانب تزايد معدلات التلاعب بالعقوبات المفروضة على الخام الروسي.
وفي ضوء هذا السيناريو، بدأ أسطول ناقلات النفط الروسية التي تنقل الخام الروسي الذي يخضع لعقوبات غربية صارمة، حول العالم في الظهور بمظهر أكثر حداثة، منهيًا بذلك توجهًا دام شهورًا من استعمال أقدم سفن في العالم وأكثرها خطورة، حسبما أوردت شبكة “بلومبرغ” الأميركية.
فبعد مدة وجيزة من غزو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أوكرانيا في 24 فبراير/شباط 2022، اشترت مجموعة من التجار والوسطاء والمستثمرين المجهولين مئات الناقلات القديمة المتهالكة من أجل الإبقاء على تدفق النفط الروسي، وفق معلومات طالعتها منصة الطاقة المتخصصة.
عوامل محفزة لتحديث الأسطول
خلقت عمليات الشراء، التي أضافت إلى السفن التي كانت تنقل بالفعل الخام إلى فنزويلا وإيران، أسطولًا يتألف من أكثر من 900 ناقلة.
والآن، يشهد متوسط عمر السفن التي يجري شراؤها تراجعًا، وفق بيانات صادرة عن مؤسسة “فيسيلز فاليو ليمتد،” المتخصصة في صفقات الشحن، وتقييمات السفن.
وقال مسؤولان تنفيذيان في الصناعة إن عمليات القمع التي تشهدها آسيا كانت -على الأرجح- عوامل محفزة لهذا التحول نحو تجديد دماء أسطول ناقلات النفط الروسية القديمة، في أعقاب سلسلة من الاعتقالات التي وقعت في الأشهر الأخيرة على خلفية قضايا تتعلق بالسلامة.
وكثفت الصين، أحد أكبر مستهلكي النفط الروسي والإيراني، مؤخرًا إجراءات الفحص الخاصة بناقلات النفط القديمة في ميناء تشينغداو الرئيسي؛ ما أجبر بعض تلك الناقلات على الانتظار لأكثر من شهر من أجل تفريغ حمولتها.
وزاد القلق إزاء ناقلات النفط القديمة، على وجه الخصوص، عندما انفجرت سفينة عمرها 26 عامًا قبالة السواحل الماليزية في مايو/أيار (2023).
وفي سنغافورة احتجزت السلطات المختصة ناقلات نفطية؛ لرفضها الخضوع لعمليات تفتيش ذات صلة بقواعد السلامة البحرية.
وينبغي أن تساعد السفن الأحدث في أسطول ناقلات النفط الروسية، شريطة خضوعها لأعمال صيانة جيدة، على تهدئة المخاوف التي تسيطر على بعض الموردين بشأن صلاحيتها للإبحار رغم أن الأسطول ما زال يحتوي على سفن قديمة.
وفي هذا الصدد قال كبير المحللين في “فيسيلز فاليو” ريبيكا غالانوبولوس: “مخاوف السلامة التي تحيط بالسفن القديمة في أسطول ناقلات النفط الروسية، تبقى من الأسباب التي تدفع المشترين لاختيار سفن أحدث”.
الإنفوغرافيك التالي -من إعداد منصة الطاقة المتخصصة- يوضح المصافي التي تشتري النفط الروسي حاليًا:
أسطول الناقلات المظلم
تراجع متوسط عمر الناقلات التي يجري بيعها إلى مشترين مجهولين- إحدى السمات المميزة لسفينة في أسطول الناقلات المظلم- إلى 15 عامًا خلال مايو/أيار (2023)، وفق بيانات “فيسيلز فاليو”، طالعتها منصة الطاقة المتخصصة.
ويُقصد بعبارة “الأسطول المظلم” السفن التي تنتهك العقوبات وتحمل النفط المحظور سرًا، ويزيد عددها على 600 سفينة، ويَنتُج عنها العديد من الحوادث ذات الصلة حول العالم.
وتتفاوت سمات الناقلات في الأسطول المظلم؛ حيث غالبًا ما تكون تلك السفن قديمة، ولا يوجد لها تأمين، كما أنها تفتقر إلى أي خدمات غربية أخرى، ومن الصعب تتبع هوية ملاكها.
وعادة ما يجري تكهين السفن التي تقترب من 20 عامًا أو أكثر.
نهج صارم
تتبنى دول معيّنة سياسة متشددة بشأن السفن القديمة؛ فعلاوة على الفحوصات في الصين، اتجهت الهند صوب منع السفن التي يزيد عمرها على 25 عامًا من دخول موانيها في أوائل العام الجاري (2023).
وقال الرئيس العالمي لبحوث الشحن في مؤسسة “أويل بروكيريج ليمتد” أنوب سينغ: “بعض ملاك السفن يشعرون بمزيد من الراحة في التعامل مع الخام العُرضة لقيود مثل النفط الروسي؛ إذ يرون أن تلك التجارة يجب أن تبقى”.
وأوضح سينغ: “وملاك السفن هؤلاء أكثر استعدادًا –الآن- للاستثمار في السفن ذات الأعمار الصغيرة التي تفي بمعايير الصناعة الأوسع لمدة طويلة”.
السفن القديمة مغرية
تتسم السفن القديمة في أسطول ناقلات النفط الروسية بكونها الأرخص ثمنًا، كما أنها تعمل دون الحصول على خدمات غربية؛ ما يمكّنها من التحايل على العديد من العقوبات المفروضة على الصادرات النفطية، من بينها سقف أسعار الخام الروسي البالغة قيمته 60 دولارًا للبرميل، والذي فرضته مجموعة الدول الـ7.
وقد أسهمت الزيادة في الطلب على السفن في إطالة أعمار الكثير من السفن داخل الخدمة. وفي هذا الخصوص لم يجرِ تكهين ناقلة خام كبيرة واحدة منذ 7 أشهر، في سابقة لم تحدث على الإطلاق منذ أواسط سبعينيات القرن الماضي على الأقل، بحسب البيانات الصادرة عن مؤسسة “كلاركسون ريسيرش سيرفيسيز ليمتد”، وحدة تابعة لأكبر شركة وساطة للسفن بالعالم.
وعلاوة على ذلك تمضي الناقلات وقتًا أطول في العبور؛ ما يعني أن شحنات الخام التي اعتادت أن تبحر يومين في بحر البلطيق، أصبحت تستغرق أسبوعين في الوصول إلى الصين والهند.
وقاد هذا إلى ارتفاع عائدات ناقلة النفط القياسية إلى نحو 100 ألف دولار يوميًا منذ اندلاع الحرب الأوكرانية، مقارنة بمتوسط العائدات البالغ 23 ألف دولار يوميًا منذ عام 2017.
وفي هذا الشأن تعزز فرص شراء مزيد من السفن ذات الأعمار الصغيرة عودة أسعار الشحن إلى المستويات الطبيعية؛ إذ إنها تقلل المعروض من السفن المُخصصة للتجارة التقليدية.
وعلاوة على ذلك هناك سبب قوي منطقي لشراء السفن ذات الأعمار الصغيرة؛ ففي مايو/أيار (2023)، اكتُشِف 20 عيبًا في ناقلة نفطية قديمة خلال فحصها في الصين.
مخاطر بيئية
شهدت أعداد السفن القديمة المتهالكة التي تنقل النفط الروسي، تزايدًا ملحوظًا إبان الأشهر الأخيرة؛ ما يسلط الضوء على الكوارث البيئية المحتملة التي قد تنجم عن ذلك؛ من بينها حوادث التسرب النفطي في مياه البحار والمحيطات، وفق تقرير نشرته صحيفة فاينانشيال تايمز، واطّلعت عليه منصة الطاقة المتخصصة.
وصعدت حصة صادرات خام الأورال الروسي المنقولة بحرًا على متن سفن قديمة يزيد عمرها على 15 عامًا، منذ اشتعال فتيل الحرب الروسية الأوكرانية، وفق بيانات صادرة عن شركة برايمار العاملة في مجال وساطة السفن، والمدرجة في بورصة لندن.
وإبان الأشهر الـ6 التي سبقت الحرب الأوكرانية، بلغ متوسط نسبة السفن القديمة 33.6%، بينما ارتفعت تلك النسبة إلى 62.6% منذ شهر ديسمبر/كانون الأول (2022).
وقفزت صادرات النفط الروسي المنقولة بحرًا بنسبة 8% في أبريل/نيسان (2023)، مسجلةً صعودًا هو الأعلى منذ 12 شهرًا، بحسب بيانات تعقُّب الناقلات الصادرة عن منصة إس آند بي غلوبال.
واجتذبت الأسواق الآسيوية ما نسبته 90% من صادرات النفط الروسي، وبفضل الخصومات المغرية، بلغت صادرات الهند –وحدها- مليوني برميل من النفط الخام الروسي في أبريل/نيسان (2023)، بارتفاع نسبته 14% عن شهر مارس/آذار (2023).
محمد عبد السند
المصدر: منصة الطاقة