على الرغم من أهمية مصادر الطاقة المتجددة في أوروبا لتحقيق الأهداف المناخية والاقتصادية لدول الاتحاد، فإن التأخير في إصدار تراخيص إنشاء المشروعات الجديدة، وتأجيل ربط غيرها المنجزة بالشبكة، يعرقلان قدرة البلدان على تحقيق أهدافها للوصول إلى الحياد الكربوني.
بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، أصبح إصلاح عملية إصدار التراخيص أمرًا ملحًا، من أجل مواكبة الطلب المتزايد على إمدادات الطاقة، وفق ما اطّلعت عليه منصة الطاقة المتخصصة.
وكلما طال الوقت الذي يستغرقه طرح بنية تحتية متجددة جديدة، بقيت البلدان لمدة طويلة خاضعة لأسواق الوقود الأحفوري المتقلبة ووارداته من دولة مثل روسيا، حسب تقرير لموقع إنرجي مونيتور (energymonitor) في يونيو/حزيران الجاري.
ويتطلب الحصول على كمية كافية من الطاقة المتجددة في أوروبا (الطاقة الشمسية وطاقة الرياح) لمجاراة مسار الاحترار بمقدار 1.5 درجة مئوية، إذ يزداد الانتشار السنوي لهذين المصدريْن في الاتحاد الأوروبي من 34 غيغاواط عام 2021 إلى 76 غيغاواط عام 2026، بحسب تقرير لمركز الأبحاث إمبر.
ويقول مؤلفو التقرير، إنه من المحتمل أن تفوّت البلدان هذا الهدف بهامش كبير، نتيجة تجاوز هدف الاتحاد لمدة عاميْن لمنح تراخيص بناء مشروعات الطاقة المتجددة في أوروبا بانتظام.
ومن بين 18 دولة حلل مركز الأبحاث إمبر بيانات مشروعات طاقة الرياح البرّية لديها، تجاوز متوسط وقت الترخيص حدّ السنتيْن في جميع الحالات، وفي بعض الحالات بما يصل إلى 5 أضعاف.
وبالنسبة إلى الطاقة الشمسية، تجاوز وقت الترخيص حدّ السنتيْن في 9 من 12 دولة جرى تحليل بياناتها، مع تأخيرات تصل إلى 4 سنوات.
تُظهر بيانات أخرى من غلوبال داتا، الشركة الأم لموقع إنرجي مونيتور، أن هناك حاليًا 5 أضعاف قدرة الرياح قيد الترخيص (97 غيغاواط) من (20 غيغاواط) قيد الإنشاء، و8 أضعاف السعة الشمسية للمرافق قيد الترخيص (113 غيغاواط) من (14 غيغاواط) قيد الإنشاء.
وتُعرِّف شركة غلوبال داتا، المعنية ببيانات وتحليلات الطاقة، “الترخيص” بأنه المدة التي تتجاوز فيها محطة توليد الكهرباء وقت “الإعلان”، وهي في طور الحصول على “بعض أو كل الأذونات والموافقات الحكومية اللازمة”.
إصلاحات التراخيص
حظيت الحزمة الشاملة من إصلاحات تراخيص مشروعات الطاقة المتجددة في أوروبا -المتفق عليها بصفتها جزءًا من مراجعة توجيهات الاتحاد للطاقة النظيفة لعام 2018- بالترحيب، إذ طرحت هدفًا جديدًا للطاقة المتجددة أعلى بنسبة 42.5% بحلول عام 2030.
وجرى الاتفاق مؤقتًا في نهاية مارس/آذار 2023، على أن تكرر عملية إصلاحات التراخيص تدابير الطوارئ التي أُعلنت في ديسمبر/كانون الأول 2022، التي حددت الإطار الزمني للترخيص بمدة عامين (مع هدف مدته 3 سنوات للرياح البحرية)،
واتُّفِق على خلق “مناطق انتشار معجّلة” لمشروعات الطاقة المتجددة في أوروبا، إذ ينص القانون على أن مشروعات الطاقة المتجددة “لها صفة المصلحة العامة العليا”.
وتعني المصلحة العامة العليا أنه عندما تنظر السلطات العامة في المنافسة أو التضارب بين السلع العامة المختلفة، على سبيل المثال بين مصادر الطاقة المتجددة والبيئة، ولا توجد بدائل معقولة واضحة لمصادر الطاقة المتجددة، فإن الطاقات المتجددة تسود عادةً.
أوضح ذلك ممثل المديرية العامة للطاقة في المفوضية الأوروبية، لوكاسكو لينسكي، في ندوة بتقنية الاتصال المرئي استضافها المجلس الأطلسي، وهو مركز أبحاث مقره واشنطن العاصمة.
وتتضمن القوانين الجديدة مطلبًا بأن تجري الحكومات رقمنة عملية إصدار التراخيص لديها، وهو الأمر الذي وصفه المتحدث باسم هيئة صناعة طاقة الرياح الأوروبية “ويند يوروب”، كريستوف زيبف، بأنه “عامل تغيير قواعد اللعبة”.
وقال زيبف: “في كثير من الأحيان في الوقت الحالي يجب إرسال التراخيص (في صورة ورقية) إلى مختلف السلطات المختلفة”، مشيرًا إلى أن “تصوير المستندات يمكن أن يكلف آلاف اليوروهات”.
متطلبات تقييمات التأثير البيئي
تخفف القوانين الجديدة من متطلبات تقييمات التأثير البيئي، وتطبق “النهج القائم على السكان” لحماية التنوع البيولوجي. وهذا يعني أنه قد يُطلب من المطورين تنفيذ تدابير لحماية مجموعات الحياة البرية في مواقع أخرى إذا لم يكن بالإمكان حمايتهم في موقع مشروع جديد للطاقة المتجددة في أوروبا.
وتعمل القوانين الجديدة على تبسيط متطلبات التراخيص لإعادة تزويد المرافق الحالية بالطاقة، بما في ذلك الموعد النهائي المعجل للتراخيص لمدة 6 أشهر، واقتصار تقييم التأثير البيئي على تأثير التغييرات أو التمديد مقارنة بالمشروع الأصلي.
الإضرار بمصادر الطاقة المتجددة
يطرح المحللون سؤالا مفاده: هل يمكن أن يؤدي الإفراط في إصلاح التراخيص إلى الإضرار بصورة غير مقصودة بمصادر الطاقة المتجددة في أوروبا من خلال خلق مشكلات جديدة في أثناء التنمية؟
وطُورت عمليات التراخيص الأوروبية المضنية في الأصل، لضمان أن يكون جميع أصحاب المصلحة المشاركين في المشروع سعداء -قدر الإمكان-، ويجب أن يظل أصحاب المصلحة هؤلاء سعداء على مدار العقود التي يجري فيها تشغيل المشروع.
ويتمثّل النبأ السار في أن معظم الإصلاحات المعلنة تدور حول تسريع العمليات القديمة -والسرعة لا تعني بالضرورة التبسيط -، وفق المعلومات التي رصدتها منصة الطاقة المتخصصة.
وقالت كبيرة مستشاري مؤسسة مشروع المساعدة التنظيمية (آر إيه بي)، مونيكا موراويكا: “لا يتعيّن علينا تخفيف القوانين، أو التهاون في تطبيقها، لإصلاح التراخيص”.
وترى موراويكا، أن “المعالجة اليدوية للأعمال الورقية” و”العمليات الإدارية متعددة الخطوات” دون تنسيق مركزي والافتقار إلى جدول زمني واضح، إذ تُعدّ من بين المشكلات الرئيسة التي تواجهها مشروعات الطاقة المتجددة في أوروبا، وكلها يجب معالجتها من خلال جعل العمليات أكثر كفاءة.
ويشير كبير مستشاري السياسات في مجموعة سولار باور يوروب، جوناثان بوناديو، إلى أن بعض البلدان مثل إسبانيا قد أثبتت كيف أن “السرعة والجودة يمكن أن تسيرا جنبًا إلى جنب” عن طريق تعيين المزيد من الموظفين وإنشاء فرق مخصصة للتعامل مع طلبات التراخيص.
وقال خبراء آخرون -تحدث إليهم موقع إنيرجي مونيتور (energymonitor)-، إنه قد تكون هناك عواقب غير متوقعة بسبب الإصلاح المفرط في التراخيص.
وترى عضوة مؤسسة بيلونا يوروبا النرويجية غير الحكومية، مارتا لوفيسولو، أن إحدى المخاطر تتمثل في أنه من خلال تسريع إصدار التراخيص “يمكن أن تكون هناك معارضة متزايدة في الجمهور العام لمشروعات الطاقة المتجددة في أوروبا”، إذ يخاطر الناس بالحرمان من العملية برمتها.
وتقول لوفيسولو، إن طريقة تجنب ذلك تتمثل في ضمان مشاركة المواطنين في وقت مبكر.
وتشير إلى أن دراسة بشأن التخطيط التشاركي لطاقة الرياح، التي توضح كيف أنه في ولاية بورغنلاند النمساوية، التي تتضمن رأي الجمهور منذ البداية، جرى حظر مشروع واحد فقط من أصل 20 مشروعًا على مدار 30 عامًا.
من ناحيتها، تضيف الباحثة لدى المعهد النرويجي لأبحاث المناخ سيسيرو، ميريثيدو تيرود ليرين، أنه إذا خُففت قواعد الترخيص، وانتهى الأمر بمشاركة الجمهور بصورة غير كافية، “يمكن أن يؤدي ذلك إلى إبطاء التطور”.
وتقول: “يمكن أن يُنظر إلى العملية والنتائج على أنها غير عادلة، إذا أصبحت العواقب على الطبيعة وكذلك العيوب بالنسبة إلى الصناعات الأخرى وقيم الناس عالية جدًا”.
نوار صبح
المصدر: منصة الطاقة