خالد ومهنّد… رفيقا الأسر والسلاح والشهادة

Spread the love
image_pdfimage_print

سيكون من الصعب العبور إلى المساحة الخاصة لمنفذَي عملية مستوطنة «عيلي»، إذ تحيط بعائلتيهما ظروف أمنية استثنائية، بعد اعتقال عدد من أقربائهما ومصادرة هواتفهم. شابّان وسيمان، هادئان، وصديقان على أحسن ما يمكن أن تكون الصحبة، في الحياة، والسجن، والاستشهاد. يوم أمس، احتفت فلسطين قاطبة بالعمل البطولي الذي درسه الشهيدان مهند شحادة وخالد صباح بعناية، وخطّطا له وتدرّبا عليه بإتقان ورويّة، واختارا مكانه أيضاً بالإتقان نفسه: على أراضي خمس قرى فلسطينية مسلوبة جنوب نابلس هي الساوية واللبن وقريوت وتلفيت وقبلان. سينطلق الشهيدان من ريف نابلس إلى المستوطنة الأكثر تطرّفاً وعنصرية، «عيلي»، التي تحوي أخطر المعاهد الدينية العسكرية في دولة الاحتلال، وتُخرّج في كلّ عام قيادات جيش الاحتلال الأكثر دموية وجرأة على القتل، ومن بينهم قائد لواء «جفعاتي» المسؤول عن مجزرة رفح الشهيرة بـ«الجمعة السوداء» في حرب عام 2014. ومنها أيضاً، ينطلق المئات من المستوطنين للاعتداء على أملاك المواطنين في القرى القريبة.

في بلدة عوريف القريبة من نابلس، ولد الشهيد مهند فالح شحادة (26 عاماً)، وتلقّى تعليمه الابتدائي والثانوي في مدارسها، قبل أن يلتحق بكلية التربية الرياضية في «جامعة النجاح الوطنية». هناك، نشط في صفوف الكتلة الإسلامية، وأصبح قبيل تخرّجه أمير الإطار الطالبي لـ«حماس» فيها. إلى بيت العائلة، الذي يعكس مستوى العصامية والبساطة، حضرت قوة إسرائيلية خاصة للتحقيق مع أفراد الأسرة، وتمهيداً لهدم المنزل الذي يسكن فيه أشقّاء مهند الثلاثة. يقول والد الشهيد الذي يعمل في الداخل المحتلّ، إن الضابط الإسرائيلي قال له إن «مهند (خدعنا)، فقد كان ممنوعاً من السفر، و(سمحنا) له قبل مدّة بسيطة بالسفر لأداء العمرة، لكنه كان يغطّي على ما ينوي فعله». في صفحته عبر «فايسبوك»، عبّر مهند، الذي اعتُقل في سجون الاحتلال في عام 2020، واجتمع مع صديقه خالد صباح في زنزانة واحدة في سجن «مجدو»، عن ما يجول في خاطره. العمل المقاوم، وفق رؤيته، لا بدّ أن يكون موجعاً ومؤلماً للاحتلال: «إذا ضربتَ فأوجع، فإن العاقبة واحدة»، كما يقول، كاتباً أيضاً في رثاء الشهيد عدي التميمي: «فتىً مات بين الضرب والطعن ميتةً… تقوم مقام النصر إذ فاته النصر». أمّا عن صفاته، فيقول صديقه محمد: «لا يراه أحدٌ إلّا ويحبّه، ليس من النظرة الأولى، بل من ابتسامته الساحرة، هادئ جداً، ومتديّن وخلوق، كان يسرح دائماً في فضاءات بعيدة عن همومنا. لم يَجد فرصة عمل في تخصّصه الجامعي بعد تخرّجه، فلم يأنف من العمل في المتاجر والورش. كسب لقمة عيشه بيده، لأن لديه من الأنفة ما يعصمه عن العيش على تعب والده».

أما رفيقه خالد، فقد كان الطير الذي وقع على شاكلة صاحبه، حيث عاش ابن بلدة عوريف أيضاً، حياة بسيطة، لكنها زاخرة بالأحداث والتجارب، إذ اعتُقل في سجون الأجهزة الأمنية الفلسطينية 90 يوماً، بتهمة الانتماء والعمل في صفوف حركة «حماس»، ولم يكن يترك مواجهة مع قوات الاحتلال إلّا ويشارك فيها، ليصاب قبل 3 سنوات بإصابة خطيرة، خرج منها بإعاقة في قدمه، ظلّ يعاني منها حتى استشهاده. ابن العائلة التي تضمّ 7 أشقاء، كان قد ترك الدراسة مبكراً، وعمل أخيراً في أحد متاجر القرية. ووفقاً لصديقه، فقد كان «إلى جانب هدوئه اللافت، عصبياً إذا ما تعلّق الأمر بالصراع مع الاحتلال، ومَن عَرفه عن قرب، كان يدرك أن تلك النهاية هي مشروع الحياة والمستقبل الذي عاش لأجله». ويضيف في حديثه إلى «الأخبار»: «تزوّج قبل عام من استشهاده، ولم يكن في أهل قريته من هو أكثر منه اهتماماً بالقرآن الكريم، فقد حفظه وأجاد تلاوته، ووضع في أولوياته تعليمه لصغار بيته وقريته».
في بلدة طوباس، حيث استشهد خالد بعد مطاردة قطع فيها مسافة 40 كيلومتراً، تجمّع الآلاف من المواطنين، وشيّعوه بجنازة مهيبة، بدأت منذ عصر يوم أمس في طوباس، وانتهت في بلدته عوريف. أمّا في غزة، فقد توسّطت صورة البطلين الكبيرة دوار السراي وسط المدينة، فيما امتدّت أجواء الاحتفال وتوزيع الحلوى على المدن والمحافظات كافة.

يوسف فارس

المصدر: صحيفة الأخبار