لم يمضِ سوى أسبوع واحد على قراره وقف إرسال إيرادات المحافظة إلى البنك المركزي في المدينة، وتعليله إيّاه بأنه جاء نتيجة تخلّي الحكومة عن التزاماتها في موضوع الكهرباء، حتى تراجع محافظ عدن، أحمد لملس، عن خطوته تلك، والتي نُظر إليها آنذاك على أنها مقدّمة لإعلان «المجلس الانتقالي الجنوبي» انفصال جنوب اليمن. وكانت هيئة رئاسة «الانتقالي»، التي أيّدت في بيانها الأسبوع الماضي قرار لملس، أعلنت أنها تضع الآليات العملية للقيادة التنفيذية الجنوبية التي تشكّلت بقرار من رئيس المجلس، عيدروس الزبيدي، والتي بدأت تباشر مهامها في هذا الاتجاه. إلّا أن لملس، وهو أيضاً أمين عام «الانتقالي» المدعوم إماراتياً، عاد وأكد، في كلمه وجّهها إلى «مجلس القيادة الرئاسي»، «التزام السلطة المحلّية بالعمل المؤسسي»، مدافعاً بأن إجراءه الأخير «لم يكن إجراء سياسياً، وفق ما فسّره ويفسّره بعض المُغرضين، وإنما هو تعبير عن الرفض التامّ لعدم إيفاء الحكومة بالتزاماتها تجاه عدن». وجدّد اتّهامه حكومة معين عبد الملك، التي يشارك فيها «الانتقالي» بخمس وزارات، بالاستمرار في استخدام ملفّ الكهرباء كأداة لمعاقبة المواطن، مشيراً إلى «أن عدم وضع معالجات لتأمين وقود الكهرباء وغياب الحلول المستدامة يفرضان علينا مسؤولية إنسانية لمنع تعرّض المواطنين للأزمات والكوارث».
لكن مراقبين يعتقدون أن القرار الأوّل جاء في سياق مخطّط مدورس، غايته إسقاط حكومة عبد الملك، خصوصاً أن «الانتقالي» أطلق مباشرة، عقبه، دعوة لبقّية المحافظات الجنوبية والشرقية إلى أن تحذو حذو محافظ عدن، وهو ما استجاب له محافظ شبوة، عوض بن الوزير، بالفعل. ويرى هؤلاء أن «الانتقالي» لم يكن غافلاً عن التداعيات الجسيمة للقرار وخطورته على الانتظام العام، خصوصاً لناحية توقّف رواتب الموظفين وتعطّل المرافق والمؤسسات الرسمية، لا بل كانت لديه خطّة بديلة، إلّا أن حساباته اتّضح أنها لم تكن في محلّها تماماً. إذ إن السعودية، الممسكة بتلابيب اللعبة السياسية في ما بين حلفائها المحلّيين، تحرص على إبقاء هذه اللعبة محكومة بسقف معيّن أخذاً في الاعتبار العديد من القضايا المحلّية والإقليمية، والمفاوضات مع صنعاء، وهي تسمح لـ«الانتقالي» باللعب تحت هذا السقف ليس إلّا، وفي حال تجاوزه إيّاه، تُرفع في وجهه بطاقة حمراء، فيتراجع على الفور.
وفي تفاصيل عنوان الخلاف الأخير، يَجدر التنبيه إلى أن قضية الإيرادات خاضعة للمحاصصة الشخصية والفئوية والمناطقية بين الأطراف المحلّية، ما يولّد صراعاً دائماً على السلطة وحيازة الثروات. وتَنقل وسائل إعلام محلّية عن متخصّصين قولهم إن مدينة عدن قادرة على توفير إيرادات مالية ضخمة، لكن هذه المداخيل لا يمكن أن تغطّي تكاليف الإنفاق على محطّات التوليد الكهربائي، والتي قد تصل إلى مليونَي دولار يومياً. إلّا أن مصادر حكومية تتّهم القيّمين على تلك المحطّات، وجميعهم محسوبون على «الانتقالي»، بالفساد، فيما يتحدّى نشطاءُ المجلسَ بأن يسمح للجنة مستقلة بإجراء تحقيق نزيه وشفاف حول وضع الكهرباء، ونشر نتائجه للرأي العام. وكانت حكومة عبد الملك أعلنت، في بيان ردّاً على قرار لملس، أن مدينة عدن وحدها تكلّف ما نسبته 60% من الإنفاق الحكومي، فيما تأتي الكهرباء على رأس تلك النفقات.
وأثار القرار المذكور ردود فعل متباينة؛ ففيما رآه أنصار «الانتقالي» «انتصاراً للمواطن المغلوب على أمره»، في ظلّ تدهور تام للخدمات العامة في عدن – مع الإشارة هنا إلى أن «الانتقالي» الذي شجّع خطوة وقف الإيرادات لم يَصدر عنه أيّ تعليق على التراجع عنها -، شدّد ناشطون جنوبيون على ضرورة التمسّك بالتشكيلة الحالية للحكومة، معتبرين أنه «في حال استفردت قيادات جنوبية بالموارد، فإن الناس لن ترى لا كهرباء ولا رواتب»، وأن «هذه القيادات ستترك الناس تدور حول نفسها من العذاب والتعب، ولن تقدّم لهم سوى الشعارات الرنّانة». وطالب هؤلاء قيادات «الانتقالي» بالتوقّف عن تسويق وهم الإدارة الذاتية في المحافظات الجنوبية، لافتين إلى أن «المواطنين جرّبوا لسنوات، ولم يروا سوى الوعود الكاذبة التي لا تسمن ولا تغني من جوع».
يُذكر، أخيراً، أن هذه ليست المرّة الأولى التي يتراجع فيها «الانتقالي» عن قرارات أحادية؛ ففي نسيان من عام 2020، تراجع بالفعل وبعد أيام قليلة عن قرار اتّخذه بإعلان الإدارة الذاتية، جرّاء ضعوط سعودية، وعدم قدرة الجهة الداعمة له، أي دولة الإمارات، على توفير الغطاء السياسي والمالي المطلوب لهكذا خطوة.
لقمان عبد الله
المصدر: صحيفة الأخبار