مفخرة الآليات الإسرائيلية تحت يد المقاومة: العبوات النوعية تَدخل جنين

Spread the love
image_pdfimage_print

لم تكن قوات الاحتلال الخاصة التي تسلّلت، فجر أمس الاثنين، إلى محيط مخيم جنين، في عملية اعتقدت أنها ستكون عادية، وستنتهي سريعاً، تحتمل أنها ستقع في كمين الموت، الذي ستتبعه كمائن أخرى، ستترتّب عليها تداعيات كبيرة، سواء على جيش العدو وصورته أمام المستوطنين، أو على الوضع الأمني برمّته في الضفة الغربية. وكشفت الكمائن التي نصبتها المقاومة لقوات الاحتلال، وما رافقها من مواجهات استمرّت لأكثر من 8 ساعات، عن استعدادها خلال الفترة الماضية جيّداً لأيّ مواجهة قد تقع. ونجح مقاومون في تفجير عبوات ناسفة في آليات عسكرية، كانت إحداها عبوة شديدة الانفجار تسبّبت بإعطاب آلية مصفّحة وإصابة العديد من جنود الاحتلال بجروح مختلفة، وتبع تفجيرها حزامٌ من النار نصبه المقاومون، ودفع جيش العدو إلى الاستعانة بطائرات «الأباتشي» في محاولة لإنقاذ الجرحى، وشكّل صفعة للمستويَين السياسي والأمني في إسرائيل. ولأوّل مرّة منذ أكثر من عشرين عاماً، شنّت طائرات الاحتلال عدّة غارات في محيط مخيم جنين لإنقاذ الجنود من كمين آخر، كان المقاومون يقتربون فيه من هؤلاء بشكل مباشر، ما دفع الأخيرين إلى طلب النجدة.

وقدّرت مصادر أمنية إسرائيلية أن العبوة الناسفة التي انفجرت في دورية عسكرية في جنين، تزن قرابة 40 كلغ، لافتةً إلى أنها أخرجت آلية «فنتار» المحدثة والمصفّحة عن الخدمة، وهو ما أثار ردود فعل وتساؤلات حول مدى علم الأجهزة الأمنية بتطوّر إمكانات المقاومين، وكيفية نصبهم الكمائن، ومعرفتهم بمسار خروج الجنود من مكان العملية العسكرية. ولعلّ مرارة الهزيمة التي تجرّعتها قيادة الاحتلال، تنبع خصوصاً من كون المركبة القتالية التي استهدفتها العبوة هي من نوع «النمر»، التي يفترض أن تكون مضادّة للرصاص والقذائف الصغيرة، غير أنها غير مصمَّمة للتصدّي للعبوات وقذائف «الكورنيت». ودخلت المصفّحة الخدمة قبل عامين فقط، باعتبارها وسيلة نقل آمنة للجنود وإجلاء الجرحى بسرعة، لتحلّ مكان مركبات مصفّحة قديمة، على الحدود مع قطاع غزة وداخل الضفة الغربية. وقد خصّصها الجيش لنقل الجنود ومهام الأمن المستعجل على المناطق الحدودية وداخل الضفة الغربية، علماً أنها تزن قرابة 10 أطنان، وهي من صناعة أميركية وتصفيح إسرائيلي، وقادرة على حمل 12 – 14 جندياً، بالإضافة إلى حمل 2 – 6 جنود مصابين، وتصل تكلفتها إلى مليون شيكل. وبحسب وسائل إعلام عبرية، فإن مركبة «الفهد» مصفّحة ضدّ الحجارة والزجاجات الحارقة والرصاص والقذائف، وتحتوي على 5 مخارج للطوارئ، في حال اختراقها بالصواريخ الدقيقة.

وأعلنت المقاومة في مخيم جنين، منذ أسابيع، حالة استنفار قصوى، ورفعت من جاهزيتها، واتّخذت إجراءات ميدانية معلَنة، على ضوء تقديراتها بشنّ الاحتلال عملية عسكرية واسعة ومفاجئة، وهي استعدادات بدت فاعليتها واضحةً في المعركة التي خيضت أمس. وسيلقي ما جرى في مخيم جنين بتداعياته على أيّ خطط إسرائيلية قبل أيّ عملية اقتحام مستقبلية، أو شنّ عملية عسكرية واسعة؛ إذ إن وجود عبوات ناسفة بهذه القوة، ووضعها على جوانب الطرق، يعنيان أن أيّ خطوة لجيش الاحتلال لن تكون بلا ثمن، أو من دون خسائر، وهو ما يقتضي مراجعةً سرعان ما تُرجمت بإلغاء العدو اقتحام المستوطنين لقبر يوسف في مدينة نابلس. وأيقظت كمائن جنين هواجس الاحتلال، وأعادت تذكيره بكوابيس غزة وجنوب لبنان، وهو ما تحدّث عنه موقع «واللا» العبري، الذي نقل عن مسؤول في القيادة المركزية أن «استخدام مثل هذه العبوة الناسفة القوية يتميّز به حزب الله على الحدود اللبنانية وحركة حماس على حدود قطاع غزة»، بينما قال مراسل الموقع العسكري: «بالمحصّلة النهائية، فرقة الضفة الغربية ولواء منشية ووحدة المستعربين فوجئوا جميعاً بشدّة المقاومة اليوم… كان هذا كميناً كلاسيكياً يتناسب أكثر مع حزب الله وحماس في غزة».

وبدأت تداعيات الكمائن التي أصيب فيها نحو 7 جنود من جيش الاحتلال، تَظهر تباعاً؛ إذ شرعت سلطات العدو في دراسة إمكانية تغيير المركبات المدرّعة التي تُستخدم في شمال الضفة، بينما تعالت الدعوات إلى شنّ عملية واسعة في الضفة، وتحديداً في جنين ونابلس، وأبرزها ما نادى به وزير المالية الإسرائيلي، بتسلئيل سموتريتش، من بدء عدوان عسكري «واسع» هناك، قائلاً: لقد حان الوقت لـ«استبدال الأنشطة العينية بعملية واسعة واستعادة الردع والأمن في المنطقة… ولإدخال القوات الجوية وقوات المدرعات». وأكد سموتريتش أنه سيطالب بـ«عقد اجتماع عاجل لمجلس الوزراء المصغّر للشؤون السياسية والأمنية» (الكابينت). هكذا، شكّلت معركة جنين صدمة لدى المستويات السياسية والأمنية والإعلامية العبرية؛ اذ اعتبرت قيادة الوسط (الضفة الغربية) في جيش الاحتلال مواجهة أمس «تغييراً في قواعد اللعبة، وصدمة، وأمراً خطيراً»، فيما فتح الجيش تحقيقاً بشأن العبوة الناسفة التي استهدفت إحدى الدوريات المصفّحة والحديثة وأخرجتها عن الخدمة.
في المقابل، حصلت المقاومة على أكثر من صورة انتصار، وخصوصاً بعدما فشل الاحتلال، مع مرور قرابة 8 ساعات على بدء عدوانه، في سحب جميع آلياته المعطوبة، وهو ما اضطرّه إلى الإعلان أنه بحاجة إلى مزيد من الساعات الإضافية لإنجاز المهمّة التي لم يتهاود فيها، لإدراكه أن ترك ولو آلية واحدة خلفه سيلحق أضراراً جسيمة بصورة القوة والردع لديه (عاد وأعلن عصراً انتهاءه من إخراج المركبات العسكرية الخمس المحاصَرة في مخيم جنين). على أن هذه الأضرار قد تَحقّقت سلفاً بالفعل، مع تمكّن المقاومة من تصوير عشرات المقاطع التي تُظهر عدّة آليات معطوبة بفعل العبوات الناسفة أو صليات الرصاص، واعتراف العدو بإصابة 7 من جنوده بإصابات مختلفة، ووقوع العديد من آلياته في كمائن معقّدة، ولجوئه إلى استخدام الطيران تلبيةً لنداءات النجدة الصادرة عن الجنود الموجودين على الأرض من ناحية، ولنقل الجرحى من ناحية أخرى. ويطرح كلّ ما تَقدّم تساؤلات حول الأداء العسكري للجندي الإسرائيلي على الأرض في أيّ مواجهة برية، سواء إذا ما قرّر الاحتلال شنّ عملية عسكرية واسعة في شمال الضفة، أو دخل في مواجهة أكثر قوة وتعقيداً مع المقاومة في غزة أو في لبنان.

على أيّ حال، ستشكّل المواجهة في مخيم جنين ضغطاً كبيراً على حكومة الاحتلال لاتّخاذ قرار بشنّ عدوان واسع. لكن التقديرات الإعلامية العبرية تشير إلى أن ذلك لن يكون سهلاً، وخصوصاً بالاستناد إلى ما تطرحه معركة أمس من احتمال وجود عبوات مماثلة أو حتى أقوى من تلك التي انفجرت بـ«الفهد». ومن غير المستبعد، على ضوء ما تَقدّم، أن تؤدّي واقعة فجر الاثنين إلى تسعير الخلافات داخل الكيان، وخصوصاً أن الاقتحامات المتكرّرة لمدن الضفة لم تَعُد «نزهة» كما كان يُعتقد، والجنود المشاركون فيها لم يعودوا بمأمن بعد اليوم، وهذا ما سيلقي بثقله على مركز القرار السياسي، بالنظر إلى أن تطوّر إمكانات المقاومة يضع الجنود وذويهم والرأي العام برمّته في مواجهة مع حكومته. وممّا يعزّز تلك التوقّعات علوّ صوت المستوطنين وممثّليهم بالمطالبة بعدوان واسع، واتّهامهم حكومة اليمين المتطرّف واليمين الفاشي بأنها لا تستطيع القيام بواجبها تجاه المستوطنين، أو مواجهة المقاومة التي ازدادت شراسة.

أحمد العبد

المصدر: صحيفة الأخبار