«ستالينغراد الفلسطينية» تخلط الحسابات: هل يقع الاجتياح الموسّع؟

Spread the love
image_pdfimage_print

تَخلق عمليات المقاومة وتكتيكاتها العسكرية المستحدثة قلقاً متزايداً في أوساط صنع القرار السياسي والأمني في دولة الاحتلال. ففيما ظلّ «التهوين» من خطورة المشهد الميداني مرافقاً لحديث قادة الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، انقلبت في الأيام الأخيرة تلك الرؤية، إلى الحدّ الذي بدأ معه جيش الاحتلال، فعلياً، التمهيد الاستخباري لشنّ عملية واسعة النطاق والتأثير، تستهدف في المقام الأوّل مخيم جنين، وتمتدّ إلى باقي مناطق شمال الضفة الغربية. ودفع هجوم «باب الريحان» ذو التكتيك المدروس وغير العشوائي، والذي نفّذته «خلية ظلّ» يوم الثلاثاء الماضي، ثمّ استخدام العبوات الناسفة بشكل مكثّف في مخيم جنين يوم أمس، مستشار الأمن القومي الإسرائيلي، تساحي هنغبي، إلى التحذير من مغبّة التريّث في تنفيذ عملية كبيرة، إذ قال: «إذا لم نواجه هذه العبوات بعملية عسكرية في جنين، فسنقابلها تحت الحافلات في تل أبيب والقدس»، فيما وصفت «القناة الـ 12» العبرية مخيم جنين بـ«ستالينغراد الفلسطينية»، مشيرةً إلى أن حركة «الجهاد الإسلامي» نجحت في إنشاء مصانع للعبوات الناسفة، «التي (تعيدنا) إلى ما كان يستخدم مطلع الانتفاضة الثانية وفي جنوب لبنان، فضلاً عن ارتفاع مستوى الأداء العسكري للمقاتلين».

وفي خلال الأسابيع الثلاثة الأخيرة، تسبّب أداء المقاومة بفتح «مندبة» بين رؤساء مناطق المستوطنات، والذين يكرّرون المطالبة بعملية واسعة يجتاح فيها جيش الاحتلال المدن والمخيمات كافة، على شاكلة «السور الواقي» في عام 2002، والتي يُنظر إليها، في الأوساط الإسرائيلية، على أنها منجز عسكري استطاع وضع حدّ للعمليات الفدائية التي كانت تضرب مدن العمق المحتلّ. وفي «مؤتمر هرتسيليا السنوي للأمن القومي»، احتلّ تكتيك التعاطي مع خلايا المقاومة في الضفة الغربية المحتلّة مساحة واسعة من كلمة رئيس أركان جيش الاحتلال، هرتسي هاليفي. وبرّر الأخير الامتناع عن التوجّه إلى عملية عسكرية شاملة بمستوى التطوّر والديناميكية اللذين «تتميّز» بهما العمليات الأمنية في مدن ومخيمات الضفة، حيث يستطيع كبار ضباط الجيش مراقبة مسرح العمليات من كاميرا مثبتة على خوذة وبندقية كلّ جندي. وإلى جانب ذلك، لم يكن مستوى الضغط الميداني الذي تمارسه خلايا المقاومة في الضفة، حتى أمس، يستدعي أن «تُشنّ عملية عسكرية كبيرة (…) في 2002، كنّا أمام مشهد مغاير تماماً: العشرات من العمليات التفجيرية تنفَّذ شهرياً في داخل مدن مثل تل أبيب والخضيرة والقدس، وقطاع كبير من كبار قادة الأجهزة الأمنية تحوّلوا إلى مقاومين وقادة لفصائل المقاومة؛ أمّا اليوم، فالواقع مختلف»، وفق ما يرى المحلّل السياسي، إسماعيل محمد، مستدركاً بأن «إدخال سلاح الطائرات الانتحارية والهليكوبتر، والذي ظلّ جيش الاحتلال يحاذر اللجوء إليه، يعبّر عن أن الأمور على الأرض خرجت عن السيطرة، وعن قدرة الوسائل الميدانية المتطوّرة التي تحدّث عنها هاليفي عن إحداث فارق».

من وجهة نظر محمد، فإن خصوصية المنجز الذي تحقّق في الضفة خلال العامَين الماضيين، لم تكن مرتبطةً بنوعية الفعل، وإنّما بإعادة بعثه من العدم، في جبهة اطمأنّ جيش الاحتلال طويلاً إلى أنها لن تقوم من سباتها مجدداً. ويلفت محمد، في تصريح إلى «الأخبار»، إلى أن «أكبر قوة عسكرية تحتاج إلى ثماني دقائق للوصول من حاجز الجلمة إلى عمق مخيم جنين، وإلى مدّة مماثلة أو أكثر قليلاً للوصول إلى عمق البلدة القديمة في نابلس انطلاقاً من حاجز حوارة»، مضيفاً أن «إسرائيل قطّعت حرفياً أوصال الضفة الغربية، بحيث أضحى جيش الاحتلال وقواته الخاصة في كلّ شارع ومخيم، فلماذا قد يضطرّ إلى خسارة جهود الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة، الموازية لعملياته الجراحية، إنْ هو اجتاح الضفة كاملةً؟». على أن تلك الحسابات السابقة، أضحت اليوم عرضة للتغيير، بل والانقلاب؛ إذ تشعر المؤسّسة الأمنية الإسرائيلية بأن ضغط الفعل المقاوم على المشروع الاستيطاني تجاوز الأكلاف التي قد يدفعها الجيش لتنفيذ عملية عسكرية شاملة.
إزاء ذلك، يرى الخبير في الشأن الأمني، محمد المصري، أن خلايا المقاومة في الضفة تقدّم أداءً ميدانياً متناسباً مع حجم التهديد، مضيفاً أنه «فيما يحاول الاحتلال استقراء ما هو متوفّر من إمكانيات وأساليب قتال، تحافظ المقاومة على مستوى فعل مضبوط، لا يستنزف القدرات اللوجستية، ولا يقود إلى كشف ما لا يلزم كشفه من عناصر ميدانية وخلايا ظلّ نائمة». ويتابع المصري، في حديثه إلى «الأخبار»، أن «كتائب المقاومة حرصت منذ تأسيسها، على تصدير فعل متناسب مع هياكلها وإمكانياتها، كي لا تستجرّ عملاً أمنياً إسرائيلياً يقود إلى تقويضها؛ وفي هذا السياق، لم تعلن مسؤوليتها عن عمليات كبيرة نُفّذت في داخل العمق المحتل، على رغم أنها خطّطت لها من اللحظة الأولى وحتى التنفيذ، كي لا تجرّ على كتائبها العاملة هناك ردّة فعل إسرائيلية عنيفة».

يوسف فارس

المصدر: صحيفة الأخبار