عقدت الهيئة العامة للمجلس النيابي جلسة بتاريخ 19/6/2023 ، وهي الجلسة التشريعية الرابعة له بعد مرور سنة على بدء ولايته الجديدة، والثانية منذ شغور منصب رئاسة الجمهورية. وقد ورد على جدول أعمال الجلسة بندان فقط، تعلّقا بفتح اعتمادات في موازنة العام 2023 قبل تصديقها، وهي اعتمادات لتغطية المساعدات وبدل النقل لموظفي القطاع العام وأساتذة الجامعة اللبنانية. وقد انعقدت الجلسة وسط تغيّب نوّاب “المعارضة”، وذلك بحجة عدم دستورية التشريع في ظلّ غياب رئيس للجمهورية على اعتبار المجلس النيابي هيئة ناخبة لا هيئة تشريعية، رغم حسم المجلس الدستوري المسألة في قرارين أصدرهما مؤخرا بشأن تمديد الانتخابات البلدية وتعديل بعض أحكام الشراء العام.
وبالمحصّلة، أقرّت الهيئة العامة من دون تعديل اقتراحيْ القانون المذكورين، فيما أحال رئيس المجلس النيابي إلى اللجان اقتراح قانون معجّل مكرّر نوقش من خارج جدول الأعمال يتعلّق بفتح اعتمادات لوزارة الصحة، وذلك من دون التصويت على صفة العجلة.
بناء على ذلك، سنقوم بدراسة مجريات الجلسة والنقاشات النيابية فيما يلي.
تشريع الضرورة: “برّي بشرّع اللي بدّو ياه”
لا تخلو أيّ جلسة تشريعية منذ شغور رئاسة الجمهورية من النقاش حول دستوريتها في ظلّ مقاطعة نواب “المعارضة” لها. ففي حين كان النائب علي فيّاض يتحدّث عن إمكانية الطعن بدستورية الاقتراحات في حال إقرارها، قاطعه رئيس المجلس النيابي ليقول أنّ هناك أناساً يرون الدستور بأنّه يعني لا اجتماع للحكومة ولا للمجلس النيابي حتّى، “شو بدّي رد عالعالم أنا؟”. وقد حصل موقف مشابه عند حديث نائب رئيس المجلس النيابي الياس بو صعب عن الشرخ الحاصل في المجلس وضرورة الحوار بين النواب لجهة إمكانية التشريع بخاصة أنّ التّشريع يقتصر على الضرورة. هنا قاطعه برّي قائلا: “علماً إنّو فيّي شرّع اللي بدّي ياه”. استكمل بوصعب حديثه معتبرا أنّ الحكومة لا تراعي أنّها في حالة تصريف أعمال كما يراعي المجلس النيابي تشريع الضرورة، حيث تسترسل في البنود على جدول أعمالها لتصل إلى 60 و70 بند.
أمّا الأثر الفعلي لهذا النّقاش فقد تظّهر عند طرح رئيس المجلس النيابي على النقاش من خارج جدول الأعمال بندا بناء على اقتراح النائب هادي أبو الحسن يتعلّق بفتح اعتمادات لوزارة الصحة. هنا، اعترض النائب آلان عون الذي اعتبر أنّ حضورهم يقتصر وفق الاتّفاق الحاصل على جدول الأعمال تبعا لاعتباره تشريعا للضرورة، وبالتالي ملمّحا إلى الانسحاب. عندها سارع رئيس المجلس النيابي ليقرّر من تلقاء نفسه إحالة البند إلى اللجان دون التّصويت على صفة العجلة.
البند 1: فتح اعتمادات لتغطية رواتب ومساعدات لموظفي القطاع العام
أقرّ المجلس النيابي من دون أي تعديل اقتراح القانون الرامي إلى فتح اعتماد بقيمة 37 ألف مليار ليرة لتغطية رواتب ومساعدات موظفي القطاع العام، وهو اقتراح مقدّم من النواب الياس بو صعب وسجيع عطية وعلي حسن خليل وبلال عبد الله وجهاد الصمد. وقد تمحور النقاش في هذا الاقتراح حول توفر الإيرادات لهذا الاقتراح، كما والتأكيد على دستوريته، من دون أن يتم تعديل الاقتراح.
النقاشات النيابية: ميقاتي يُفضّل الكواليس على النقاش العام
حاول رئيس المجلس النيابي طرح الاقتراح على التصويت مباشرة قبل أي نقاش، إلّا أنّ طلب النائب علي فيّاض الكلام استتبعه مجموعة من المداخلات والنقاشات.
بدأ النائب علي فيّاض النقاش حيث اعتبر أنّ توجّه بعض النواب للطعن بالقانون في حال إقراره يقع في غير محلّه الدستوري والقانوني، حيث أنّ المادّة 85 من الدستور والمواد 11-12-60 من قانون المحاسبة العمومية تؤّكّد على إمكانية فتح هذه الاعتمادات، وأن المادة 12 من قانون المحاسبة العمومية نصّت بشكل خاص على أنّه “يجوز بصورة استثنائية فتح اعتماد في موازنة ما قبل تصديقها شرط أن يدون (الاعتماد المفتوح) فيها” مؤكدا ألّا ريبة دستورية فيما يشرّعه المجلس اليوم. في هذا الصدد، تحدّث النائب جميل السيد الذي طلب حذف عبارة “قبل تصديقها” من الاقتراح، لأنّ المجلس النيابي لم يستلمْ أي مشروع موازنة من الحكومة حتّى يصادق عليها، وهو الأمر الذي سأل عنه النائب إبراهيم كنعان الحكومة أيضا. كما سأل السيد رئيس الحكومة عن المدّة التي تغطّيها هذه الاعتمادات، هل هي لأشهر أم لنهاية السنة؟
أمّا بالحديث عن الإيرادات، فاعتبر النائب علي فيّاض أنّ الإيرادات متوفرة من عائدات الأملاك البحرية والمطار والمرافئ والموانئ والتي تصل إلى حوالي 450 مليون دولار سنويا، فيما طلب النائب سليم عون تدوين إقرار من الحكومة بوجود إيرادات كافية لتغطية هذه النفقات.
رئيس الحكومة أجاب بطريقة مقتضبة على بعض الأسئلة التي طرحها النواب، فيما تجاهل بعضها الآخر. وقد أكّد بخصوص الموازنة أنّها ستنتهي لدى وزارة المالية في نهاية الشهر الحالي قبل أن تحال إلى الحكومة حيث تعهّد بعقد جلسات مكثّفة لغاية إقرارها وإحالتها إلى مجلس النواب. أمّا عن الإيرادات، فأكّد توفّر إيرادات كافية لتغطيتها. اكتفى ميقاتي بهذه الأجوبة على أسئلة النواب ليبقى إثنان منها من دون جواب.
- سؤال لنائب رئيس مجلس النواب الياس بوصعب حول مصير الانتخابات البلدية، حيث لا يتبدّى بأنّ الحكومة قد قامت بأي إجراء للقيام بها حتّى الآن، حيث أنّ البعض يلوم المجلس النيابي على ذلك. أنهى ميقاتي مداخلته من دون التطرّق لهذا السؤال. وعند طلب الجواب من بو صعب قبل نهاية الجلسة، أشار ميقاتي بيده إلى خارج القاعة، مفيدا بأنّه سيتحدّث مع بوصعب في الخارج، وملمّحا بذلك إلى أن الأمور تدار في الكواليس. ويكون بذلك ميقاتي قد تهرّب من الجواب أمام المجلس النيابي عن هذه القضية علما أنّ المجلس قد فوّضه بموجب مهلة محدّدة لإجراء الانتخابات.
- أمّا السؤال الثاني الذي لم يجب عليه ميقاتي فكان من النائب جميل السيد حول المدّة التي يُمكن تغطيتها بموجب هذه الاعتمادات المفتوحة.
البند 2: إقرار اعتمادات لمصلحة الجامعة اللبنانية
أُقرّ من دون أي تعديل اقتراح قانون ينص على فتح اعتماد بقيمة 265 مليار ليرة وتتعلق بتغطية نفقات إعطاء حوافز مالية وبدل نقل لأساتذة الجامعة اللبنانية لتمكينها من استكمال العام الجامعي 2022- 2023، وهو مقدّم من النواب الياس بو صعب وسجيع عطية وعلي حسن خليل وبلال عبد الله وجهاد الصمد.
المناقشات النيابية: رئيس الجامعة يشكر ميقاتي على التقديمات
لم يُناقش موضوع الاقتراح الذي سلّم الجميع به، إنّما نوقشت مواضيع مالية تتعلّق بمستحقّات للجامعة.
استهلّ النقاش النائب إيهاب حمادة الذي اعتبر أنّ قانون موازنة 2022 أضاف 500 مليار ليرة إلى الجامعة اللبنانية ما جعل اعتماداتها 1300 مليار ليرة، إلّا أنّ تفسيرا خاطئا في وزارة المالية أدّى إلى حسم هذه المبالغ لتصبح مجمل اعتمادات الجامعة 850 مليار ليرة، ما حرم أساتذة الجامعة من الحصول على أيّ قرش من المساعدات المقرّرة لهم حتّى الآن. وبناء على ذلك، تمنّى حمادة صرف هذه الأموال قبل فتح الاعتماد مطالبا ميقاتي بالجواب عن مصير هذه الأموال. هنا تدخّل علي حسن خليل الذي طلب أن يتمّ تفسير النص في المجلس النيابي حيث تمّ ذلك وتمّ التأكيد على أنّ هذه الأموال التي يُفتح الاعتمادات لها هي إضافة للاعتمادات الواردة في الموازنة ولا يُحسم منها شيء، لينتهي برّي آمراً وزير المالية بصرفها.
مجددا، كان جواب ميقاتي مقتضبا حيث قال أنّ هذه الأموال ستُصرف بحسب الأوقات المجدولة على أساسها، من دون أن يوضّح هذه الأوقات أو أسس الجدولة، قبل أن ينتقل ميقاتي إلى الإيهام بأنّ أمور الجامعة المالية على ما يرام حيث أبلغ المجلس أنّه اجتمع برئيس الجامعة وكان الأخير “شاكراً لما نقدّمه للجامعة”.
أمّا النائب سجيع عطية فكان موقفه بارزا بحيث أكّد على حق الجامعة اللبنانية ب50 مليون دولار من أموال الPCR على المطار. وأكّد أنّه خلال آخر جلسة عُقدت لهذا الموضوع أكّدت شركة الميدل إيست أنّها ستدفع مبلغ 10 ملايين دولار حاليا وأنّ الباقي ستحصل بشأنه تسوية في القضاء، معتبر أنّه من المهم أن تُدفع ال10 ملايين الآن لأنّ الجامعة بحاجة إليها وعلى المجلس النيابي العمل على ذلك. وبطبيعة الحال، لم يلقَ عطيّة أيّ تجاوب.
فادي إبراهيم
المصدر: المفكرة القانونية