1

كيف وصلت الرياض إلى “حالة عدم اليقين” حيال واشنطن؟

سنتان و6 أشهر منذ وصول جو بايدن إلى البيت الأبيض. كان وقتاً مستقطعاً من العلاقات الآخذة بالنمو بشكل مطرد خلال ولاية الرئيس السابق دونالد ترامب. لم تتعرض العلاقة بين الطرفين لنكسة مفاجئة، بل ان ثغرات السياسة الأميركية المتراكمة -من وجهة نظر سعودية- منذ أحداث 11 أيلول/ سبتمبر، أنتجت صدعاً بدأت تظهر نتائجه تباعاً. فكيف وصلت الرياض إلى “حالة عدم اليقين” حيال واشنطن؟

شهدت الفترة الماضية حشداً من الأحداث الدولية التي منحت السعودية فرصاً لإيصال رسائل سياسية للإدارة الأميركية، كان بعضها شديد اللهجة وترك تأثيراً على الساحة الداخلية كالانتخابات النصفية. ويأتي قرارها بعدم ادانة العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، ثم عدم استجابتها لطلب رفع انتاج النفط رغم زيارة بايدن لها، إضافة للاتفاق مع إيران وإعادة فتح السفارات، ضمن إطار الرد “النوعي” على واشنطن، التي لا تزال تسعى لإحياء الاتفاق النووي.

تكمن خلفية المُراجعة السياسية التي تجريها الرياض، في الصفعة الأولى التي تلقتها المملكة منذ حوالي 22 عاماً. وهنا سرد لأبرز المحطات التي تركت أثرها العميق في البلاط:  

أحداث 11 أيلول/ سبتمبر عام 2001: كانت السعودية خلال تلك الفترة، شريكاً استراتيجياً مثالياً للولايات المتحدة في المنطقة بعيد انهيار الاتحاد السوفياتي. بالنسبة للرياض، كان الهجوم الإعلامي الأميركي-الغربي عليها مفاجئاً. خاصة وانها قد أدانت الحادث وأبدت استعدادها للمساعدة في اجراء التحقيقات اللازمة. بل ذهبت إلى أبعد من ذلك، مع ابدائها المرونة لتعديل المناهج الدراسية “لنبذ التطرف الديني”. أدركت الرياض مع خمود الغضب، ان “التسامح” الأميركي جاء نتيجة الحاجة لدعمها في غزو أفغانستان والعراق.

مع بدء موجة التظاهرات فيما سمي “بالربيع العربي” عام 2011، اتهمت الرياض إدارة الرئيس باراك أوباما بدعمها “للثورات العربية” التي أطاحت بحكم حلفائها في المنطقة، او زعزعت استقرارهم. فيما كانت الحرب على سوريا، وعدم التدخل العسكري الأميركي بالمستوى الذي كانت تتوقعه الرياض، خاصة بعد هجوم الأسلحة الكيميائية في الغوطة، شرارة أخرى تمس قشّ الخلافات.

عام 2015، أعلن السفير السعودي في واشنطن، عادل الجبير، الحرب على اليمن من البيت الأبيض. كان التعويل على الدعم الأميركي الكبير هو السبب الرئيس الذي دفع بولي العهد إلى الذهاب بعيداً في الحرب، والانخراط بها على كافة المستويات، بل وفرض الحصار أيضاً. 

إلا ان الأداء الأميركي الضعيف والتقصير المقصود من قبل واشنطن في إغاثة الرياض من الضربات الصاروخية التي استهدفت عمقها الاستراتيجي وأصابت أكبر الشركات النفطية في العالم، ثم عرقلتها المستمرة للمحادثات الجارية في عمان لوقف إطلاق النار، جعل الرياض أكثر حذراً.

جاءت عملية اغتيال الصحفي المعارض جمال خاشقجي، في 2 تشرين الأول/ أكتوبر عام 2018، ثم القرار الذي اتخذته الإدارة الأميركية بمعاقبة بن سلمان، لتزيد الأمر سوءاً. خاصة وان بايدن أطلق حملته الانتخابية الرئاسية بهدف أول “عزل محمد بن سلمان ونبذ المملكة”.

مع الانسحاب الأميركي من أفغانستان، في توقيت شديد الحساسية تغرق فيه الرياض في مستنقع الحرب اليمنية، وتعزل نفسها عن المحيط نتيجة اصطفافها المطلق إلى جانب واشنطن، بدأ بن سلمان يتلمس ضرورة خلق نوع من التوازن. في حين كانت “الحرب التركيبية” التي شنت على إيران، فرصة أخرى لتثبت واشنطن انها “لن تدخل في حرب ضد إيران لأجل أحد” تماماً كما أُبلغ محمد بن سلمان من أحد أجهزة المخابرات العربية.  

لم ينجح محمد بن سلمان في الابتعاد عن الفلك الأميركي، ولن يستطيع. اذ ان الدولة العميقة السعودية المرهونة أميركياً تحول دون تطرف بن سلمان في خياراته. بالمقابل، يكتب تاريخ الأنظمة على مدى عقود من الزمن، ان ضريبة الابتعاد عن فلك المنظومة التي عمل بها ولأجلها طيلة عقود، ستكون اما الإقصاء او الترويض، خاصة وان صيادي الفرص على الساحة الدولية في ازدياد، والسعودية بما تمثل، فريسة ثمينة.

مريم السبلاني

المصدر: موقع الخنادق