التنمر وسوء المعاملة في قلب ديمقراطية البرلمان الأوروبي

Spread the love
image_pdfimage_print

فشلت سلطات الاتحاد الأوروبي مراراً وتكراراً في حماية ضحايا التنمر من قبل السياسيين الأقوياء، وسط ثقافة اللامبالاة المنتهجة، حسب ما كشفه تحقيق أجرته صحيفة “بوليتكو” على مدى 4 أشهر، أجرت خلالها عشرات المقابلات وحصلت على وثائق سرية، تكشف عن ندوب وجراح عميقة لصغار موظفي الاتحاد الذين تعرضوا إلى انتهاكات حقوقية فظيعة.

يصف الشهود والضحايا، الذين فضلواعدم الكشف عن هويتهم، عن شعورهم ب”الموت الجسدي والعقلي” في آن. وبعضهم فكر بالانتحار للتخلص من المضايقات والمعاناة والقلق والحرمان من النوم أثناء انتظارهم لعدة أشهر أو أكثر  لمعالجة شكاواهم. وشبه أحدهم تجربة الانتظار مثل، “السجناء المحكوم عليهم بالإعدام”.

وقال آخر، إن حجم التنمر داخل مقر الديمقراطية في الاتحاد الأوروبي “خارج عن السيطرة”، بينما زعم عشرات من موظفي البرلمان الأوروبي، أنهم تعرضوا للتحرش الجنسي ولضغوط نفسية رهيبة، خاصة و أنه في كثير من الأحيان، كان من الأسهل على بعض الضحايا التزام الصمت.

الموظفون يخشون تقديم الشكاوي، لأن العملية مرهقة للغاية، قال مارسيل كولاغا، عضو البرلمان الأوروبي: “لا أعتقد أن لدى الموظف في البرلمان الأوروبي أي ثقة في العملية”.

كانت رئيسة البرلمان الأوروبي، روبرتا ميتسولا، بإجراء إصلاح داخلي يهدف إلى تحسين عملية التعامل مع ادعاءات التحرش الجنسي بسرعة. ولكن بعد أن ذهبت الدعوات المتكررة للإصلاح أدراج الرياح، يشعر النشطاء والضحايا الآن بالقلق، من ضياع الفرصة مرة أخرى.

في الأسبوع الماضي، أيد أعضاء البرلمان الأوروبي مطالب بتشديد القواعد وتبسيط إجراءات التعامل مع سوء المعاملة المزعوم، بما في ذلك التحرش الجنسي والضغط النفسي. يبقى أن نرى ما إذا كان سيتم اتخاذ إجراءات ذات قيمة، تحسن من عملية تقديم الشكاوى، ومن وضع عقوبات قوية على المرتكبين وعدم الاكتفاء بعقوبات هامشية لا يمكن أن تردع المخالف.

 فتحت السلطات 34 حالة جديدة من التحرش الجنسي أو النفسي في البرلمان، لكن هذا الرقم لا يظهر الحجم الكامل للمشكلة، كون السلطات لا زالت تحجبها بسرية  على الرغم من الطلبات المتعددة للحصول على التفاصيل.

يوم جرذ الأرض

أعلنت رئيسة البرلمان روبرتا ميتسولا،عن عقوبات ضد 2 من أعضاء البرلمان الأوروبي هذا العام، هما، مونيكا سيميدو من لوكسمبورغ من مجموعة “رينيو” والإسبانية مونيكا سيلفانا غونزاليس  من مجموعة الاشتراكيين والديمقراطيين (دي أند أس”، وكلاهما بسبب تنمرهما على موظفين يعملون معهم. 

كما يتم حاليا التحقيق مع اثنين آخرين على الأقل  عضو البرلمان الأوروبي البلجيكي أستيا كونكو من مجموعة “إي سي آر”اليمينية والمشرع الإسباني خوسيه رامون باوزا من مجموعة اليمين الليبرالي، لكن هذا الحفنة من المحاسبات العلنية لا تمثل سوى غيض من فيض.

تحدثت “بوليتيكو” إلى 9 موظفين و7 مسؤولين سابقين كانوا ضحايا مزعومين لكنهم لم يتقدموا بعد بشكاوى رسمية؛ 5 أشخاص شهدوا مضايقات نفسية وضغوطات، في بيئة عمل أقل ما يقال عنها أنها مسمومة، وفاشلة في حماية أولئك الذين يخاطرون بكل شيء للتحدث. في بعض الحالات ، يتم تثبيط الضحايا بنشاط عن تقديم الشكاوى، لحماية صورة البرلمان وتجنب فضح عار أعضاء البرلمان الذين يضايقون موظفيهم بشكل مرضي وخارج عن السيطرة. 

غالبا ما يكون التأثير على الضحايا مدمرا. “كنت ميتا جسديا وعقليا تماما” ، قال أحد الموظفين الذي رفع قضية ضد عضو برلماني. ووصف كيف فقد 10 كيلوغرامات وتم تشخيص إصابته باضطراب ما بعد الصدمة. 

وقال رئيس “مجموعة الخضر” في البرلمان تيري رينتكه، “الفرق كبير جدا في القوة بين عضو البرلمان والموظف الذي يعمل معه”، وقالت: “في نهاية المطاف ، لدينا 705 شركات صغيرة ومتوسطة شركات صغيرة لا تخضع للوائح صارمة في هذا المنزل”.

إن الطبيعة الخبيثة للمضايقات في البرلمان الأوروبي، لا تعني أنه لا يمكن رؤيتها. 

قابلت “بوليتيكو” أعضاء اللجنة التي تتعامل مع شكاوى التحرش ضد أعضاء البرلمان، لكن عملهم يبقى سريا على قاعدة الخصوصية، التي اتاحت لهم رفض التعليق على أسئلتنا الصحفية. 

على الورق، يبدو إجراء تقديم الشكوى تقنياً تماماً،  لكنه في الواقع، أمر سياسي بلا لبس، ويتشابه مع حركة الإصلاح الحالي الذي لن يحدث قط في الجلسات الخاصة، ما دامت هويات أعضاء البرلمان الخاضعين للعقوبات ليست متاحة أمام الرأي العام الأوروبي والعالمي.

في الأعوام 2019 و 2020 و 2021، أطلقت السلطات البرلمانية 34 تحقيقاً جديداً في حالات التحرش النفسي أو الجنسي، 24 منها تتعلق بسلوك أعضاء البرلمان الأوروبي بدلا من الموظفين. وفي ثماني من الحالات ال 34، فرضت عقوبات طفيفة على المرتكبين.

الأمر متروك للرئيس لاتخاذ قرار بشأن معاقبة المتنمرين في البرلمان الأوروبي  على الرغم من أن المتحدث باسمها يوري لاس أصر على أنها تتبع دائما التوصيات من اللجان. 

لا شك، أنّ تحسين قوانين البرلمان لمكافحة التحرش يمثل أولوية بالنسبة للرئيس، كما هي الاصلاحات العامة ضرورية، خاصة في أعقاب فضيحة الفساد في “قطرغيت”، ولا بد من تحسين الأمور في البرلمان الأوروبي وجعله أكثر شفافية وكفاءة وحداثة.

لا بد لضحايا التحرش في أقبية البرلمان الأوروبي، أنّ يعتنوا ويثقوا بأنفسهم ويتركون أعضاء خلفهم.

تحقيق باربرا موينز وإيدي واكس

نقله الى العربية حسين قطايا

المصدر: موقع الميادين