بـ”الهندسة” والخرائط والشهادات الشفوية.. الطنطورة: مذبحة و4 مقابر جماعية

Spread the love
image_pdfimage_print

جيهان سرحان، من سكان المجلس المحلي لبلدة الفريديس، ذهبت أول أمس إلى شاطئ دور القريب. في إحدى النقاط في موقف السيارات الذي يستخدمه المتنزهون الذين يأتون للاستجمام على شاطئ البحر، توقفت ووضعت إكليلاً من الورد وقرأت الفاتحة.

قبل 75 سنة بالضبط، في 23 أيار 1948، احتل لواء “الكسندروني” قرية الطنطورة العربية التي تقع هناك. نحو 1500 نسمة كانوا يعيشون في القرية. والدة سرحان، الحاجة رشيدة اعمر كانت أحدهم. بعد الاحتلال، تم طردها من القرية هي والنساء والأطفال والشيوخ. كانت في حينه ابنة 18 سنة. زوجها الأول محمد إحسان قتل. عائلة إحسان يسمونه “شهيداً” ويقولون بأنه قتل في المذبحة التي نفذها الجنود الإسرائيليون. إسرائيل في المقابل تتجاهل الادعاءات التي تقول بأنها نفذت مذبحة هناك. والمؤرخون يختلفون حتى الآن حول مسألة ما الذي حدث بالضبط في القرية وما هي أبعاد المذبحة إذا حدثت حقاً، وهل كان من بين الضحايا أيضاً سكان أبرياء، أو مسلحون تم إعدامهم للانتقام.

في هذا الأسبوع زارت سرحان المكان في إطار نشاط لجمعية سامي العلي، (42 سنة)، وهو ناشط في جمعية جديدة باسم لجنة مهجري الطنطورة، التي تركز نشاطات التخليد للقرية وسكانها. هي زارت المكان في أعقاب نشر تقرير جديد يدعي العثور على أربعة مقابر جماعية في المنطقة. البحث لا يمكنه تأكيد أو نفي الشهادات التي تقول بأن مذبحة نفذت ضد سكان القرية، ولكنه يرمز إلى أن أن عدداً من سكانها ربما دفنوا تحتها.

“نخلق هنا سابقة للمرة الأولى منذ النكبة”، قال العلي للصحيفة، “جئنا إلى الطنطورة من أجل تحديد الأماكن التي فيها المقابر الجماعية”. في المرحلة الأولى، اكتفى زوار شاطئ بتأشير مؤقت ورمزي بواسطة الورود والحجارة وشريط ربطوه بينها. في المستقبل، كما يأملون، يمكنهم بناء سور في المنطقة وإقامة نصب تذكاري لإحياء ذكرى الذين سقطوا، شهداء الطنطورة والمذبحة، حسب قوله. “قمنا بخطوة واحدة في طريق الاعتراف بالمذبحة. لكن إذا لم تعترف الدولة بذلك، فلا يمكننا التقدم إلى أي مكان، سواء تسوية أو سلام”، قال.

البحث الجديد أجراه “هندسة الطب الشرعي”، وهو معهد يعمل في جامعة لندن برئاسة المهندس الإسرائيلي البروفيسور ايال فايتسمان. أعضاؤه يوثقون خرق حقوق الإنسان في أرجاء العالم عن طريق استخدام التكنولوجيا المتطورة ومكتشفات يتم عرضها في المحاكم. قال باحثو المعهد إنهم نجحوا في العثور على القبور الجماعية عن طريق استخدام تحليل صور جوية تاريخية ومقارنتها بصور جوية حديثة. إضافة إلى ذلك، جمعوا الشهادات وبنوا نماذج محوسبة وعملوا مسحاً للأرض، وهي عملية يتم فيها قياس وتوثيق المباني المعدودة التي بقيت من القرية وفحص المواقع الموجود تحتها القبور. في التقرير، هم يعطون معلومات تفصيلية عن “الأعمال الترابية” والأمور الاستثنائية والتشويشات في الأرض، الأمر الذي يدل -حسب رأيهم- على الاشتباه بوجود قبور جماعية.

جمعية “عدالة”، التي بادرت إلى إجراء البحث، تطلب من السلطات بناء سور حول موقع القبور ووضع لافتات قربها. “الاكتشافات واضحة تماماً، وهي مقنعة، وهناك الكثير من الإثباتات”، قالت للصحيفة المحامية سهاد بشارة، مديرة القسم القانوني في “عدالة”. “نريد وقف تدنيس القبور وتمكين عائلات القتلى من الوصول إلى المكان. هذا حق معترف به في أحكام المحاكم، وهذا ليس أمراً معقداً إذا كانت هناك إرادة”. في هذا الأسبوع، أرسلت رسالة بالأمر إلى كل الجهات ذات الصلة، وأجابت بالنفي على سؤال هل ستضطر “عدالة” لفتح القبور وفحص بقايا العظام. “في هذه الأثناء لا. هذه عملية يجب أن توافق عليها العائلات، وهذا ليس أمراً سهلاً”، قالت.

هو أمسك قدميه وأنا أمسكت يديه

في التقرير، اعتمد أعضاء “هندسة الطب الشرعي” على شهادات شفوية وخطية من قبل فلسطينيين كانوا يعيشون في القرية قبل احتلالها، الذين تحدثوا عن مكان القبور للسكان. الشهادات ساعدت في العثور على القبور المحتملة وتمت مطابقته مكانها مع الصور الجوية. ولكن بدون فتح القبور، لا يمكن أن يتأكد الباحثون من وجود عظام في الأماكن التي أشير إليها. وحتى لو وجدت العظام فثم حاجة لفحص ما إذا فيها إصابات يمكن أن تدل على عملية الإعدام.

خبير محايد لتشخيص الصور الجوية، والذي عرضت عليه “هآرتس” التقرير، قال إن أساليب العمل التي استخدمها كاتبو التقرير مقبولة ومعقولة وصحيحة من ناحية مهنية. مع ذلك، الخبير الذي اختار عدم نشر اسمه، قال إنه “يمكن الجدال حول أبعاد الأماكن التي تم تشخيصها كقبور أو حول عدد القبور التي قيل بأنها هناك”. عرضت “هآرتس” التقرير أيضاً على مئير فولكا، وهو من منظمة جي – نيريشنز، للحفاظ على التراث اليهودي، وهو متخصص في العثور على قبور اليهود الذين قتلوا في الكارثة. “من أجل التوصل إلى الحقيقة بشكل مؤكد، فالمطلوب هو القيام بمسح للأرض بوسائل فحص جيوفيزيائية مثل الرادار الذي يخترق تحت الأرض. “هذا الفحص سيعطي مؤشرات دقيقة وبنسبة أعلى”، أوضح.

أحد الشهود الذي يستند إليه التقرير هو عدنان يحيى (92 سنة)، الذي كان أحد سكان القرية، وهو طبيب في مهنته، ويعيش الآن في ألمانيا. قدم يحيى شهادته حول وجود قبر جماعي في المكان الذي توجد فيه المقبرة الإسلامية. في محادثة مع “هآرتس” قال في هذا الأسبوع: “في زمن الاحتلال كان عمري 17 سنة. لم أشارك في القتال. جمعوا عدداً كبيراً منا على الشاطئ تحت أشعة الشمس ووقفنا هناك بضع ساعات بدون طعام وماء، وبعد ذلك أخذونا جميعنا إلى المقبرة”. هناك، حسب قوله، تم حفر حفرة وطلبوا رمي جثث سكان القرية فيها. “رمينا هناك جثثاً وأشخاصاً كانوا “نصف أحياء” أيضاً”، قال. “عبد الله، صديقي في المدرسة، أمسك بقدمي والده وأنا أمسكت يديه. عندها قال لي: عدنان، هو ما يزال على قيد الحياة. ماذا نفعل؟ قلت له ارمه، سيموت”.

يدعي يحيى أن معظم القتلى كانوا من الشباب، ولكن بعضهم كان كبير السن، وبعض الجثث كانت لنساء. بعد ذلك تم اعتقاله. “أطلقوا عليّ “أسير حرب”، رغم أنني لم أعرف كيف أستخدم السلاح. أخذونا إلى المعتقل في زمارين (زخرون يعقوب)، التي كان سكانها أصدقاء لنا”، قال. بعد ذلك تم نقله إلى موقع عسكري في مكان آخر. وبعدها انتقل إلى سوريا ثم الكويت. وهناك عمل معلماً. في 1975 هاجر إلى ألمانيا، وهناك درس الطب. كان طبيب أنف أذن حنجرة، وكوّن عائلة.

عاد إلى الطنطورة بعد عشرات السنين. “شاهدت الحقول التي كانت لوالدي. كان ثرياً جداً من ناحية الأراضي، لكن كل شيء ذهب”، قال. “لا تنظروا للفلسطينيين على أنهم إرهابيون، نحن بشر يريدون العيش في أراضيهم. ذات يوم سنعود ونكون أصدقاء”، أجمل القول.

الجولة التي كانت في المنطقة هذا الأسبوع شملت أيضاً زيارة في الموقع الذي توجد فيه المقبرة التي وصفها يحيى في شهادته. “الآن هناك عشب أخضر”، قال العلي من لجنة المهجرين. “لقد فعلوا كل ما في استطاعتهم لمحو ذكر المقبرة. هذا تدنيس فظ”.

جده، ذيب العلي جربان، كان يعيش في الطنطورة وقت احتلالها. وقد اعتقل على يد الجنود. عمه أنيس ذيب العلي جربان كان عمره 18 سنة في حينه. وحسب قوله، فقد نجا من المذبحة. “أرادوا إطلاق النار عليه لكن الرصاصة لم تخرج”، قال العلي. “حاول الجندي عدة مرات، وفي نهاية المطاف نهض جدي، حسب شهادته، وقال له إذا كان الله لا يريدني أن أموت فلا تصمم على ذلك. هكذا نجا. ومن شدة الخوف، فقد شاب في سن صغيرة”.

عدد من الشهود قالوا للباحثين في “هندسة الطب الشرعي” عن المكان الدقيق للقبور الجماعية، مثلاً حقل عائلة الدسوقي. في حالات أخرى ساعد ذكر الأشجار في مطابقة المعلومات مع المعلومات التي تم الحصول عليها من الصور. وقال محمد سعود أبو حنا: “أخذونا من الشاطئ إلى مكان قريب من المقبرة. قاموا بتجميعنا قرب أشجار الصبر”. وقال مصطفى المصري: “كانت هناك ثلاثة أشجار على بعد 30 متراً شمالاً، حفروا حفرة وكانت محاطة بأكوام التراب”.

في السنة الماضية صعدت هذه القضية إلى العناوين عند إصدار الفيلم الوثائقي لـ ألون شفارتس “الطنطورة”. في الفيلم تم الادعاء بوجود قبر جماعي تحت موقف السيارات في منطقة شاطئ دور. “شفارتس” توجه لخبراء قارنوا صوراً جوية للقرية قبل الاحتلال وبعده. وقالوا إن شكاً أثير بوجود قبر مفتوح في المكان تم إخراج الجثث منه. البحث الجديد يختلف معه في هذه النقطة. “حسب تقديرنا، من غير المعقول أن تم إخراج الجثث في وقت لاحق من القبر الجماعي. لم يدل أي دليل بصري من التي قمنا بفحصها على ذلك”، كتب في التقرير.

خلاف تاريخي

حسب خطة التقسيم للأمم المتحدة التي تمت المصادقة عليها في 1947، تم شمل قرية الطنطورة داخل حدود الدولة اليهودية. وبناء على ذلك، بعد إقامة الدولة في 15 أيار 1948، أصبحت جزءاً من دولة إسرائيل. بعد أسبوع على احتلال القرية، فقد السكان العرب فيها بيوتهم وأراضيهم لشاطئ البحر المتوسط. الصور التي صورت في القرية أثناء احتلالها أظهرت أن جنود الجيش الإسرائيلي قاموا بالفصل بين النساء والرجال والأطفال والشيوخ. اعتقلوا الرجال، وطردوا الآخرين إلى قرية الفريديس القريبة. بعد ثلاثة أسابيع، تم طرد بعضهم إلى طولكرم، التي كانت في ذلك الحين تحت سيطرة الأردن.

“بعد معركة شديدة، احتلت قواتنا صباح الأحد قرية الطنطورة الواقعة قرب “زخرون يعقوب”. مئات العرب المسلحين أسروا، وحصلنا على كمية كبيرة من السلاح”. كما نشرت “هآرتس” في 24 أيار 1948. “مؤخراً أصبحت القرية قاعدة بحرية للعدو، وتم تهريب السلاح والأشخاص عبرها إلى أرض إسرائيل. القرية التي كانت محصنة تم احتلالها بعد أن حاصرها الجيش العبري”، كتب في “هآرتس”.

في هذا التقرير، بناء على الشهادات الأولية عما حدث في القرية، أُشير أيضاً إلى أن القتلى وطرد السكان “خسائرنا كانت قليلة. لحقت بالعدو خسائر فادحة، 40 قتيلاً والكثير من المصابين. وقد تم نقل النساء والأطفال من قبل الجنود إلى الفريديس وزخرون يعقوب”، كتب. في بعض المصادر أشير منذ ذلك الحين إلى أرقام كثيرة حول القتلى العرب من سكان القرية: من 20 حتى 200 شخص. وتم إحصاء 14 قتيلاً من الجنود اليهود.

ثمة شهادات وصلت إلى الباحثين في “هندسة الطب الشرعي” تحدثت عن إعدام نفذه كما يبدو جنود الجيش الإسرائيلي. “لقد أخذوا أفضل الشباب وأوقفوهم ووجوههم إلى الحائط، وبعد ذلك أطلقوا النار عليهم. شاهدت ذلك بأم عيني”، قال أحمد عبد المعطي في الفيلم الذي وصل للباحثين. “أخذوهم إلى مسافة 20 متراً وأمروهم بالوقوف قبالة الحائط، وبعدها قتلوهم. خلال ساعة أو ساعتين قتلوا 60 – 70 شخصاً”، تذكر محمد إبراهيم أبو عمر في فيلم آخر.

جاء سكان جدد إلى هذه القرية المهجورة. المؤرخ البروفيسور الون كونفينو كتب في العام 2013 بأن “القرية تم استخدامها كقاعدة جيدة لبناء مستوطنة جديدة ومزدهرة، كيبوتس نحشوليم”. مع ذلك، حسب قوله، معظم الممتلكات التي تركت في المكان نهبها الجنود وسكان “زخرون يعقوب”. حاييم غفتي، الذي أصبح بعد ذلك وزيراً للزراعة، كتب في حينه بأن “القرية مكان خارج عن المألوف”. ولكنه قال بتحفظ: “هناك عيب واحد، أنها ليست لنا”.

عوفر اديرت

هآرتس 25/5/2023

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *